وكان رضي الله عنه أعلم بكتاب الله من المطالبين بدم عثمان، وكان السبئية يخافونه أعظم من خصمائه، وذلك الذي حملهم على ما فعلوه يوم الجمل فكان أهل الشام بغاة اجتهدوا فأخطئوا وعلي رضي الله عنه يقاتلهم ليرجعوا إلى الحق ويفيئوا إلى أمر الله، ولهذا كان أهل بدر الموجودون على وجه الأرض كلهم في جيشه وعمار قتل معه رضي الله عنه كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد في بناء المسجد، فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول: ويح عمارا تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قال يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن، فقتله أهل الشام مصداق ما أخبرهم به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الجماعة والائتلاف وإلى طاعة الإمام التي هي من أسباب دخول الجنة ويدعونه إلى الفتنة والفرقة التي هي من أسباب دخول النار، وكان علي رضي الله عنه أسعد منهم وأولاهم بالحق لقتله الخوارج بالنهروان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تقتلهم أولى الطائفتين بالحق كما قدمنا.
ومنهم العلامة الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة 458 في " الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد " (ص 249 ط عالم الكتب في بيروت سنة 1405) قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا علي بن حمشاد، ثنا الحرث بن أبي أسامة أن كثير بن هشام حدثهم، ثنا جعفر بن برقان، ثنا ميمون بن مهران، عن أبي أمامة قال:
شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بفرقة تكون بين طائفتين من أمته فيخرج من بينهما مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق، فكانت هذه الفرقة بين علي ومن نازعه وقد جعلهما جميعا من أمته ثم خرجت هذه المارقة وهي أهل النهروان قتلهم