وتلك النسخ الآتي وصفها غير واحدة منها مصححة قراءة وقبالا، وتنميق بعضها يحاكي عهد التأليف والآخر ينادي قرب العهد منه، وكلها لسان واحد ناص على أن الكتاب متنا وشرحا قد ناله صرف الدهر، فكأنما فعل به ما فعل بالكلام العجمي في تضاعيف العربي بقولهم عجمي فالعب به ما شئت.
فتبين لنا أولا أن ما جرى في سالف الأيام على كشف المراد للطبعة الأولى ثم على منوالها تبعتها طبعات أخرى هو أن نسخة من التجريد كانت عباراتها الوجيزة قد قيدت بكلمات وجمل كأنهما مأخوذتان من كشف المراد للتبيين والإيضاح فظن بها أنها نسخة أصيلة فجعلوها متنا، فليس المتن في المطبوع من كشف المراد - أي طبع كان - متنا ناصعا، بل الدخيل فيه ليس بأقل من الأصيل حتى أن المتن الذي آثره الأستاذ العلامة الشعراني روحي فداه في شرحه عليه ففي مواضع منه كلام ودغدغة.
وثانيا: أن كشف المراد لما كان إلى الآن - وقد خلت من تأليفه قرون - كتابا متداولا للدراسة عند محصلي العلوم فكثرت عليه تعليقات للشرح والإيضاح إما بإيجاز وهو أكثر، وإما بإطناب وهو قليل، أدرج الحشو في الكشف فطبع الخليط مع الصريح. ومما يشهد بذلك أن كل نسخة لاحقة منه تحوي زوائد تخلو عنها سابقتها، على أن سياق العبارات وحده حاكم على الزيادات.
وثالثا: قد حرفوا كثيرا من الأقاويل عن فحاويها، وعرفوا بإزائها الأباطيل في مجاريها كأن الناظر يظن في تمادي المس أن الكتاب قد أصابه دس. كما أنك ترى عبارة الماتن في مطاعن الثاني هكذا: وقضى في الحد بمائة قضيب، والصواب: وقضى في الجد مائة قضية، أي قضى في ميراث الجد بمائة حكم مختلفة، يعني أنه كان يتلون في الأحكام.
وترى عبارة الشارح في المقام هكذا: أقول هذه مطاعن أخر وهو أن عمر لم يكن عارفا بأحكام الشريعة، فقضى في الحد بمائة قضيب، وروى تسعين قضيبا، وهو يدل على قلة معرفته بالأحكام الظاهرة.