من حال المكلفين في ذلك الوقت لأهل الموقف، إما بأن يوضع كتاب الطاعات في كفة الخير ويوضع كتاب المعاصي في كفة الشر، ويجعل رجحان أحدهما دليلا على إحدى الحالتين، أو بنحو من ذلك لورود الميزان سمعا والأصل في الكلام الحقيقة مع إمكانها. وقال عباد وجماعة من البصريين وآخرون من البغداديين:
المراد بالموازين العدل دون الحقيقة، وأما الصراط فقد قيل إن في الآخرة طريقين: إحداهما إلى الجنة (1) يهدي الله تعالى أهل الجنة إليها، والأخرى إلى النار يهدي الله تعالى أهل النار إليها، كما قال تعالى في أهل الجنة: (سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم) وقال في أهل النار: (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) وقيل: إن هناك طريقا واحدا على جهنم يكلف الجميع المرور عليه، ويكون أدق من الشعر وأحد من السيف، فأهل الجنة يمرون عليه لا يلحقهم خوف ولا غم والكفار يمرون عليه عقوبة لهم وزيادة في خوفهم، فإذا بلغ كل واحد إلى مستقره من النار سقط من ذلك الصراط.
قال: والسمع دل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن والمعارضات متأولة.
أقول: اختلف الناس في أن الجنة والنار هل هما مخلوقتان الآن أم لا؟
فذهب جماعة إلى الأول وهو قول أبي علي، وذهب أبو هاشم والقاضي إلى أنهما غير مخلوقتين. احتج الأولون بقوله تعالى: (أعدت للمتقين)، (أعدت للكافرين)، (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)، (عندها جنة المأوى) وجنة المأوى هي دار الثواب فدل على أنها مخلوقة الآن في السماء.
احتج أبو هاشم بقوله تعالى: (كل شئ هالك إلا وجهه) فلو كانت الجنة مخلوقة الآن لوجب هلاكها، والتالي باطل لقوله تعالى: (أكلها دائم) والجواب دوام الأكل إشارة إلى دوام المأكول بالنوع بمعنى دوام خلق مثله (2) وأكل الجنة