يجب الندم على الإصابة لأنها هي القبيح وقد صارت في حكم الموجود لوجوب حصوله عند حصول السبب. وقال القاضي: يجب عليه ندمان: أحدهما على الرمي لأنه قبيح، والثاني على كونه مولدا للقبيح، ولا يجوز أن يندم على المعلول لأن الندم على القبيح أنما هو لقبحه، وقبل وجوده لا قبح.
قال: ووجوب سقوط العقاب بها.
أقول: المصنف رحمه الله استشكل وجوب سقوط العقاب بها. (واعلم) أن الناس اتفقوا على سقوط العقاب بالتوبة، واختلفوا فقالت المعتزلة: إنه يجب سقوط العقاب بها. وقالت المرجئة: إن الله تعالى يتفضل عليه بإسقاط العقاب لا على جهة الوجوب.
احتجت المعتزلة بوجهين: الأول: أنه لو لم يجب إسقاط العقاب لم يحسن تكليف العاصي، والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن التكليف إنما يحسن للتعريض للنفع وبوجود (1) العقاب قطعا لا يحصل الثواب وبغير التوبة لا يسقط العقاب فلا يبقى للعاصي طريق إلى إسقاط العقاب عنه، ويستحيل اجتماع الثواب والعقاب فيكون التكليف قبيحا. الثاني: أن من أساء إلى غيره واعتذر إليه بأنواع الاعتذارات وعرف منه الاقلاع عن تلك الإساءة بالكلية فإن العقلاء يذمون المظلوم إذا ذمه بعد ذلك.
(والجواب عن الأول) لا نسلم انحصار سقوط العقاب في التوبة لجواز سقوطه بالعفو أو بزيادة الثواب، سلمنا لكن نمنع عدم اجتماع الاستحقاقين لأن عقاب الفاسق عندنا منقطع، (وعن الثاني) بالمنع من قبح الذم، سلمنا لكن نمنع المساواة بين الشاهد والغائب، وأما المرجئة فقد احتجوا بأنه لو وجب سقوط العقاب لكان إما لوجوب قبولها أو لكثرة ثوابها، والقسمان باطلان. أما الأول فلأن من أساء إلى غيره بأنواع الإساءات وأعظمها كقتل الأولاد ونهب الأموال ثم اعتذر إليه فإنه لا يجب قبول عذره، وأما الثاني فلما بينا من إبطال التحابط.