الضرورة هاهنا فإنا نعلم بالضرورة الفرق بين حركة الحيوان اختيارا وبين حركة الحجر الهابط، ومنشأ الفرق هو اقتران القدرة في أحد الفعلين به وعدمه في الآخر.
قال: والوجوب للداعي (1) لا ينافي القدرة كالواجب.
أقول: لما فرغ من تقرير المذهب شرع في الجواب عن شبه الخصم، وتقرير الشبهة الأولى أن صدور الفعل من المكلف إما أن يقارن تجويز لا صدوره أو امتناع لا صدوره، والثاني يستلزم الجبر والأول إما أن يترجح منه الصدور على لا صدوره لمرجح أو لا لمرجح، والثاني يلزم منه الترجيح لأحد طرفي الممكن من غير مرجح وهو محال، والأول يستلزم التسلسل أو الانتهاء إلى ما يجب معه الترجيح، وهو ينافي التقدير ويستلزم الجبر.
والجواب أن الفعل بالنظر إلى قدرة العبد ممكن وواجب بالنظر إلى داعيه وذلك لا يستلزم الجبر، فإن كل قادر فإنه يجب عنه الأثر عند وجود الداعي كما في حق الواجب تعالى فإن هذا الدليل قائم في حقه تعالى ووجه المخلص ما ذكرناه، على أن هذا غير مسموع من أكثرهم حيث جوزوا من القادر ترجيح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجح، وبه أجابوا عن الشبهة التي أوردها الفلاسفة عليهم، فما أدري لم كان الجواب مسموعا هناك ولم يكن مسموعا هاهنا.
قال: والإيجاد لا يستلزم العلم إلا مع اقتران القصد فيكفي الاجمال (2).
أقول: هذا الجواب عن شبهة أخرى لهم، وتقريرها أن العبد لو كان موجدا لأفعال نفسه لكان عالما بها، والتالي باطل فالمقدم مثله، والشرطية ظاهرة. وبيان بطلان التالي أنا حال الحركة نفعل حركات جزئية لا نعقلها وإنما نقصد الحركة إلى المنتهى وإن لم نقصد جزئيات تلك الحركة.