ولهذا قيده المصنف رحمه الله بقوله: فينا (1)، لأن الإدراك ثابت في حقه تعالى ولا يتصور فيه التأثر، وذهبت الأشاعرة إلى أنه معنى زائد على تأثر الحدقة.
قال: ويجب حصوله مع شرائطه.
أقول: شروط الإدراك (2) سبعة: الأول: عدم البعد المفرط. الثاني: عدم القرب المفرط، ولهذا لا يبصر ما يلتصق بالعين. الثالث: عدم الحجاب. الرابع: عدم الصغر المفرط. الخامس: أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل. السادس: وقوع الضوء على المرئي إما من ذاته أو من غيره. السابع: أن يكون المرئي كثيفا، بمعنى وجود الضوء واللون له. إذا عرفت هذا فنقول: عند المعتزلة والأوائل أن عند حصول هذه الشرائط يجب الإدراك بالضرورة، فإن سليم الحاسة يشاهد الشمس إذا كانت على خط نصف النهار بالضرورة، ولو تشكك العقل في ذلك جاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة وأصوات هائلة وإن كنا لا ندركها وذلك سفسطة.
أما الأشاعرة فلم يوجبوا ذلك وجوزوا حصول جميع الشرائط مع انتفاء الإدراك، واحتجوا بأنا نرى الكبير صغيرا، والسبب فيه رؤية بعض أجزائه دون البعض مع تساوي الجميع في الشرائط وهو خطأ لوقوع التفاوت بالقرب والبعد، فلهذا أدركنا بعض الأجزاء وهي القريبة دون الباقي، ويتحقق التفاوت بخروج خطوط ثلاثة من الحدقة إلى المرئي، أحدها عمود والباقيان ضلعا مثلث قاعدته المرئي، فالعمود أقصر لأنه يوتر الحادة والضلعان أطول لأنهما يوتران القائمة.