للمدرك لم يتحقق الإدراك، لأن الإدراك أنما يكون بالانفعال والشئ لا ينفعل عن مماثله، وإن كانت ذات طعم مضاد لم تؤد الكيفية على صرافتها بصحة كما في المرضى.
قال: ومنه الشم ويفتقر إلى وصول الهواء المنفعل أو ذي الرائحة (1) إلى الخيشوم.
أقول: الشم قوة في الدماغ تحملها زائدتان شبيهتان بحلمتي الثدي نابتتان من مقدم الدماغ وقد فارقتا لين الدماغ قليلا ولم تلحقهما صلابة العصب، ويفتقر إلى وصول الهواء المنفعل عن ذي الرائحة إلى الخيشوم أو وصول أجزاء من ذي الرائحة إليه، لأنه أنما يدرك بالملاقاة.
وقد ذهب قوم إلى أن الشم أنما يكون بأن تتحلل أجزاء الجسم ذي الرائحة وتنتقل مع الهواء المتوسط إلى الحاسة، لأن الدلك والتبخير يهيج (2) الرائحة ويذكيها.
وقال آخرون: إن الهواء المتوسط يتكيف بتلك الكيفية لا غير وإلا لنقص وزن الجسم ذي الرائحة مع استنشاقها، والمصنف رحمه الله قد نبه بكلامه على تجويز الأمرين، فإن الشم قد يحصل بكل واحد منهما.
قال: ومنه السمع ويتوقف على وصول الهواء المنضغط إلى الصماخ.
أقول: ذهب قوم إلى أن السمع أنما يحصل عند تأدي الهواء (3) المنضغط بين القارع والمقروع إلى الصماخ ولهذا تدرك الجهة، ويتأخر السماع عن الأبصار لتوقف الأول على حركة الهواء دون الثاني، والمصنف رحمه الله مال إلى هذا هاهنا، وفيه نظر لأن الصوت قد يسمع من وراء الجدار مع امتناع بقاء الشكل (4) على