المقدم، بيان الشرطية أن القوة العاقلة إذا حلت في قلب أو دماغ لم يخل إما أن تكفي صورة ذلك المحل في التعقل أو لا تكفي، فإن كفت لزم حصول التعقل دائما لدوام تلك الصورة للمحل، وإن لم تكف لم تعقله البتة لاستحالة أن يكون تعقلها مشروطا بحصول صورة أخرى لمحلها فيها وإلا لزم اجتماع المثلين وأما بطلان التالي فظاهر لأن النفس تعقل القلب والدماغ في وقت دون وقت.
ولنرجع إلى ألفاظ الكتاب فقوله رحمه الله: ولحصول عارضها يعني بالعارض التعقل. قوله: بالنسبة إلى ما يعقل محلا منقطعا، أي ولحصول العارض وهو التعقل بالنسبة إلى ما يعقل محلا من قلب أو دماغ حصولا منقطعا لا دائما.
قال: ولاستلزام استغناء العارض استغناء المعروض.
أقول: هذا وجه خامس يدل على تجرد النفس العاقلة، وتقريره أن النفس تستغني في عارضها وهو التعقل عن المحل فتكون في ذاتها مستغنية عنه، لأن استغناء العارض يستلزم استغناء المعروض لأن العارض محتاج إلى المعروض، فلو كان المعروض محتاجا إلى شئ لكان العارض أولى بالاحتياج إليه، فإذا استغنى العارض وجب استغناء المعروض.
وبيان استغناء التعقل عن المحل أن النفس تدرك ذاتها لذاتها لا لآلة وكذا تدرك آلتها وتدرك إدراكها لذاتها ولآلتها، كل ذلك من غير آلة متوسطة (1) بينها وبين هذه المدركات، فإذن هي مستغنية في إدراكها لذاتها ولآلتها ولإدراكها عن الآلة فتكون في ذاتها مستغنية عن الآلة أيضا، فقوله رحمه الله: ولاستلزام استغناء العارض، عنى بالعارض هنا التعقل. وقوله: استغناء المعروض، عنى به النفس التي يعرض لها التعقل.