ذلك المطلوب ليس بكمال في ذاته فيترك الطلب، وإذا كان المطلوب كمالا حقيقيا فإما أن يحصل بالكلية وهو محال وإلا لوقفت الحركة فيجب أن يحصل على التعاقب، ولما كانت كمالات الفلك حاضرة بأسرها سوى الوضع لأنه كامل في جوهره وباقي مقولاته غير الوضع فإن أوضاعه الممكنة ليست حاضرة بأسرها، إذ لا وضع يحصل له إلا وهناك أوضاع لا نهاية لها معدومة عنه، ولا يمكن حصولها دفعة فهي أنما تحصل على التعاقب. ثم إن الفلك لما تصور كمال العقل وأنه لم يبق فيه شئ بالقوة إلا وقد خرج إلى الفعل اشتاق إلى التشبه به في ذلك ليستخرج ما فيه بالقوة إلى الفعل، ولما تعذر ذلك دفعة استخرج كماله في أوضاعه على التعاقب فقد ظهر من هذا وجود عقل يتشبه به الفلك في حركته فإن كان واحدا لزم تشابه الحركات الفلكية في الجهات والسرعة والبطء وليس كذلك فيجب وجود عقول متكثرة بحسب تكثر الحركات في الجهة (1) والسرعة والبطء.
لا يقال: لم لا يتحرك لأجل نفع السافل أو لم لا يختلف في السرعة والبطء والجهة لذلك؟ لأنا نقول: الفلكيات أشرف من هذا العالم ويستحيل أن يفعل العالي شيئا لأجل السافل وإلا لكان مستكملا به فالكامل مستكمل بالناقص هذا خلف، فلا يمكن أن تكون الحركة في أصلها ولا في هيئتها لأجل نفع السافل فهذا تقرير الدليل.
والجواب أن هذا مبني على دوام الحركة، ونحن قد بينا حدوث العالم فيجب انقطاعها فبطل هذا الدليل من أصله. وأيضا فهذا الدليل يتوقف على حصر أقسام الطلب والأقسام التي ذكروها ليست حاصرة، سلمنا لكن لم لا يجوز أن يكون الطلب لما يستحيل حصوله أو لما هو حاصل ولا شعور للطالب بذلك ونمنع وجوب الشعور بذلك؟ ثم نقول: لا نسلم أن الحركة الفلكية دورية فلم لا يتحرك على الاستقامة؟ سلمنا أنها دورية فلم لا تكون قسرية قوله: انتفاء الطبع يقتضي