امتنع حصول العدم امتنع حصول إمكان الوجود والعدم، وإن كان معدوما استحال عليه قبول الوجود كما تقدم، وإذا استحال مجامعة الإمكان لوصفي الوجود والعدم واستحال انفكاك الماهية عنهما استحال الحكم على الماهية بالامكان.
وذلك لأن القسمة (1) في قولهم المحكوم عليه بالامكان إما أن يكون موجودا أو معدوما ليست بحاصرة، لأن المفهوم منه أن المحكوم عليه بالامكان إما أن يحكم عليه مع اعتبار الوجود أو مع اعتبار العدم، ويعوزه قسم آخر وهو أن يحكم عليه لا مع اعتبار أحدهما. وقولهم الموجود حال الوجود لا يقبل العدم وكذا المعدوم صحيح، لكن الموجود يقبل العدم في غير حال الوجود وكذا المعدوم، وليس حال الماهية إما حال الوجود أو حال العدم لأنهما حالان تحصلان عند اعتبار الماهية مع الغير، أما عند اعتبارها لا مع الغير فإنها تقبل أحدهما لا بعينه، وهذا الامتناع امتناع لاحق بشرط المحمول.
قال: ثم الإمكان قد يكون آلة في التعقل، وقد يكون معقولا باعتبار ذاته.
أقول: كون الشئ معقولا ينظر فيه العقل ويعتبر فيه وجوده ولا وجوده غير (2) كونه آلة للتعقل، ولا ينظر فيه حيث ينظر فيما هو آلة لتعقله بل إنما ينظر به مثلا العاقل يعقل السماء بصورة في عقله ويكون معقوله السماء، لا ينظر حينئذ في الصورة التي بها يعقل السماء ولا يحكم عليها بحكم، بل يعقل أن المعقول بتلك الصورة هو السماء وهو جوهر، ثم إذا نظر في تلك الصورة وجعلها معقولا منظورا إليها لا آلة في النظر إلى غيرها وجدها عرضا موجودا في محل هو عقله.
إذا ثبت هذا فنقول: الإمكان كآلة للعاقل بها يعرف حال الممكن في أن وجوده على أي أنحاء العروض يعرض للماهية، ولا ينظر في كون الإمكان موجودا أو معدوما أو جوهرا أو عرضا أو واجبا أو ممكنا، ثم إذا نظر في وجوده أو إمكانه أو وجوبه أو جوهريته أو عرضيته لم يكن بذلك الاعتبار إمكانا لشئ،