وقال الزجاج: لكل إنسان نفسان: إحداهما نفس التمييز، وهي التي تفارقه إذا نام، فلا يعقل بها، يتوفاها الله تعالى، والأخرى: نفس الحياة، وإذا زالت زال معها النفس، والنائم يتنفس، قال: وهذا الفرق بين توفي نفس النائم في النوم، وتوفي نفس الحي. قال: ونفس الحياة هي الروح وحركة الإنسان ونموه [يكون به] (1).
وقال السهيلي في الروض: كثرت الأقاويل في النفس والروح، هل هما واحد؟ أو النفس غير الروح؟ وتعلق قوم بظواهر من الأحاديث، تدل على أن الروح هي النفس، كقول بلال أخذ بنفسك، مع قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قبض أرواحنا " وقوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس) والمقبوض هو الروح، ولم يفرقوا بين القبض والتوفي، وألفاظ الحديث محتملة التأويل، ومجازات العرب وإتساعاتها كثرة: والحق أن بينهما فرقا، ولو كانا اسمين بمعنى واحد، كالليث والأسد، لصح وقوع كل واحد منهما مكان صاحبه، كقوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي) (2)، ولم يقل: من نفسي. وقوله: (تعلم ما في نفسي) ولم يقل: ما في روحي. ولا يحسن هذا القول أيضا من غير عيسى عليه السلام. (ويقولون في أنفسهم) (3) ولا يحسن في الكلام: يقولون في أرواحهم. وقال: (أن تقول نفس) (4) ولم يقل: أن تقول روح، ولا يقوله أيضا عربي، فأين الفرق إذا كان النفس والروح بمعنى واحد؟ وإنما الفرق بينهما بالإعتبارات، ويدل لذلك ما رواه ابن عبد البر في التمهد ، الحديث: إن الله تعالى خلق آدم وجعل فيه نفسا وروحا، فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه ووفاؤه، ومن النفس شهوته وطيشه وسفهه وغضبه فلا يقال في النفس هي الروح على الإطلاق حتى يقيد، ولا يقال في الروح هي النفس إلا كما يقال في المني هو الإنسان، أو كما يقال للماء المغذي للكرمة هو الخمر، أو الخل، على معنى أنه سيضاف إليه أوصاف يسمى بها خلا أو خمرا، فتقيد الألفاظ هو معنى الكلام، وتنزيل كل لفظ في موضعه هو معنى البلاغة، إلى آخر ما ذكره. وهو نفيس جدا، وقد نقلته بالإختصار في هذا الموضع، لأن التطويل كلت منه الهمم، لاسيما في زماننا هذا.
والنفس: قدر دبغة، وعليه اقتصر الجوهري، وزاد غيره: أو دبغتين. والدبغة، بكسر الدال وفتحها مما يدبغ به الأديم من قرظ وغيره، يقال: هب لي نفسا من دباغ، قال الشاعر:
أتجعل النفس التي تدير * في جلد شاة ثم لا تسير قال الجوهري: قال الأصمعي: بعثت امرأة من العرب بنتا لها إلى جارتها، فقالت لها: تقول لك أمي: أعطيني نفسا أو نفسين أمعس به منيئتي فإني أفدة. أي مستعجلة، لا أتفرغ لإتخاذ الدباغ من السرعة. انتهى. أرادت: قدر دبغة أو دبغتين من القرظ الذي يدبغ به. المنيئة: المدبغة، وهي الجلود التي تجعل في الدباغ. وقيل: النفس من الدباغ: ملء الكف، والجمع: أنفس، أنشد ثعلب:
وذي أنفس شتى ثلاث رمت به * على الماء إحدى اليعملات العرامس يعني الوطب من اللبن الذي طبخ بهذا القدر من الدباغ.
وقال ابن الأعرابي: النفس: العظمة والكبر، والنفس: العزة. والنفس: الأنفة. والنفس: العيب، هكذا في النسخ بالعين المهملة، وصوابه بالغين المعجمة، وبه فسر ابن الأنباري قوله تعالى: (تعلم ما في نفسي) الآية، وسبق الكلام عليه. والنفس: الإرادة. والنفس: العقوبة، قيل: ومنه قوله تعالى: (ويحذركم الله نفسه) (6) أي عقوبته، وقال غيره: أي يحذركم إياه.
وقد تحصل من كلام المصنف، رحمه الله تعالى، خمسة عشر معنى للنفس، وهي: الروح (1)، والدم (2)،