الواصلة إليه أوجب إخراجه عنه بالعصر، وما في معناه فيما لا يقبل العصر، خروج أجزاء النجاسة عنه فيطهر، ولا ينافيه الحكم عليه بكونه مطهرا، لأنه هو الموجب لتحقق ما هو مناط التطهير في الحقيقة.
ومما يؤيد ذلك اعتبار العصر ونحوه في الغسل، وأنه لو كان المحل مما يمكن فيه عزل أجزاء النجاسة عنه بغير توسط ماء كان طاهرا، كما لو كان عينا جامدة والنجاسة عينية يمكن إلقاؤها مع ما يكتنفها من المحل.
هذا مع ما اجيب عنه بالنقض بأحجار الاستنجاء، فإن الأصحاب اوجبوا فيها الطهارة وحكموا بأن النجس منها لا يطهر، مع أنها تنجس حال الاستعمال بمجرد الملاقاة، ولم يقل أحد بكون نجاسة هذه مانعة عن حصول طهارة المحل بها، ونحوه الكلام في مسألة تطهير الأرض.
وثالثها: أن اشتراط الكر مثار الوسواس، ولأجله شق الأمر على الناس، يعرفه من يجربه ويتأمله، ومما لا شك فيه أن ذلك لو كان شرطا لكان أولى المواضع بتعذر الطهارة مكة والمدينة المشرفتين؛ إذ لا يكثر فيها المياه الجارية ولا الراكد الكثير، ومن أول عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى آخر عصر الصحابة لم ينقل واقعة في الطهارات، ولا سؤال عن كيفية حفظ المياه عن النجاسات، وكانت أواني مياههم تتعاطاها الصبيان والإماء الذين لا يتحرزون من النجاسات، بل الكفار كما هو معلوم لمن تتبع.
وفيه: أن هذا مما لا يفهم معناه، فإن اريد به أن إناطة حفظ الماء عن الانفعال بالكرية مما يوجب الأمرين لما يكثر في المياه من الشك في الكرية، ففيه: مع أنه منقوض بكافة الموازين الشرعية التي انيط بها الأحكام الكلية، كإناطة حلية اللحوم وحرمتها بالتذكية والعدم، وإناطة حل الأموال وحرمتها بالملكية والعدم، وإناطة الملكية بأسبابها المعهودة إلى غير ذلك مما لا يحصى عددا، أن هذا الشك وما يترتب عليه من الأمرين بعد تسليم الملازمة يرتفع بملاحظة الضوابط الكلية، والقواعد المقررة في الشريعة مرجعا للمكلف في مظان الشك والشبهة من الاصول العملية والاجتهادية، فإن هذا الشك غير خال عن كونه إبتدائيا أو مسبوقا بمعلومية الكرية أو معلومية القلة، ولا إشكال في شئ من الصور.
أما الاولى: فلتعين الرجوع حينئذ إلى الأصل العام المستفاد عن عمومات الطهارة،