من أعجب ما يذكر في هذا المقام، كيف وكم من هذا القبيل فيما بين الأحكام الثابتة في الشريعة، ولا سيما ما اختص منها بالفرقة المحقة، وأي ملازمة بين ثبوت حكم كلي ثمة ونقل واقعة أو وقائع في مراعاة ذلك الحكم إلينا، فإن أمثال هذه الوقائع كثيرا ما لا تنقل اقتناعا ببداهة الحكم فيها، كما أنها قد لا تنقل لمعاندة المعاندين ومكايدة أعداء الدين، الذين كان هممهم مصروفة في إخفاء الشريعة المطهرة، وهدم أساس القوانين النبوية، كما هو معلوم من طريقتهم في مواضع متكثرة، مع أن العبرة بنقل أصل الحكم بعنوانه الكلي، وقد نقل بلسان أئمتنا سلام الله عليهم الذي هو لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع أن كل واقعة لو فرض نقلها لتطرق إليها التأويل، كما تطرق إلى نقل أصل الحكم المتحقق بما تقدم من وجوه البيان.
ورابعها: أن ما يدل على المشهور إنما يدل بالمفهوم، والمفهوم لا يعارض المنطوق ولا الظاهر النص، مع أن أقصى ما يدل عليه هذا المفهوم تنجس ما دون الكر بملاقاة شئ ما، لا كل نجاسة فيحمل على المستولية جمعا، فيكون المراد ما لم يستول عليه شئ، أي لم يظهر فيه النجاسة، فيكون تحديدا للقدر الذي لا يتغير بها في الأغلب، ثم عنه: " أنه حمل الأخبار المتضمنة للنهي عن الشرب والوضوء مما لاقته النجاسة على التنزه والاستحباب ".
ولا يخفى ما في كل هذه الكلمات، فإن دلالة المفهوم من الدلالات المعتبرة في العرف والشرع، والمناقشة فيها بأن أقصاها اقتضاء التنجس بشئ ما لا كل شئ، قد عرفت ما فيها سابقا مما بينا إجمالا، ودعوى: أن المفهوم لا يعارض المنطوق واضحة الفساد، بعد ملاحظة أن المفهوم كثيرا ما يعارض المنطوق ويقدم عليه، ولا سيما المقام الذي وقع فيه التعارض بين ظاهر العام والجملة الشرطية، ومن المقرر في محله أن الجملة الشرطية أظهر في اعتبار المفهوم من العام في إرادة العموم، فيخصص به العام جدا.
هذا على فرض تسليم ما ادعى دلالته على عدم الانفعال عموما، وإلا فيتجه المناقشة في أصل الدلالة بالنسبة إلى أكثرها، أو كونها على جهة العموم، فلا منطوق لأكثر تلك الأخبار بحيث يكون منافيا لمفهوم أخبار الانفعال، مع توجه المنع إلى دعوى انحصار تلك الأخبار في كون دلالتها مفهومية؛ لما عرفت من أن أكثرها يدل