الانحصار يوجب ارتفاع الأمر بالمائية وعدم تعلقه رأسا، لامتناع الأمر باستعمال ما نهي عن استعماله، بخلاف صورة عدم الانحصار فإن الأمر بالمائية متوجه جزما، ومباح الماء موجود بين المشتبهين، فالمكلف قبل اشتغاله باستعمال هذا وذاك قاصد باستعمالهما لإدراك الطهارة بالمباح الموجود فرضا، وبذلك يتحقق قصد التقرب وإن لم يستتبع حصوله بفعله المنهي عنه ولو مقدمة، فإن شرط الصحة قصد التقرب لا حصوله، بل الشرط في الحقيقة قصد الامتثال الموجب للتقرب، فالتعبير عنه به تعبير باللازم.
فلو سلم حينئذ أنه مع تفطنه بأنه يفعل المحرم جازم بعدم حصول التقرب، ومعه يستحيل منه القصد، نقول: إن استحالة قصد التقرب لا تستلزم استحالة قصد الامتثال.
وفيه: منع إمكان حصول قصد الامتثال، بل عدم إمكان قصد التقرب لعدم إمكان قصد الامتثال، ضرورة أن الامتثال بمعنى موافقة الأمر فرع الأمر، وإيجاد الطهارة بهذين المائين بعد فرض كونه محرما فكيف يعقل كونه موردا للأمر، والمفروض أنه ليس إلا أمرا واحدا، والأمر الواحد لا يصلح موردا للأمر والنهي، وكونه موردا لأحدهما دون الآخر خلاف الفرض أو مثبت للمطلوب من انتفاء الأمر، فلا جرم يتقيد المأمور به بغير هذين المائين وإن كان بينه وبين استعمالهما المنهي عنه عموم من وجه، لضابطة ما تقرر في الاصول من امتناع اجتماع الأمر والنهي وإن كان أحدهما مقدميا الموجب للتصرف في الأمر، ومجرد كون أحد المائين مباحا ذاتيا مع فرض الحرمة العرضية المانعة عن تعلق الأمر غير مجد كما لا يخفى، فالأقوى إذن عدم الصحة.
نعم، لو استعملهما أو استعمل أحدهما في رفع الخبث كان مجزيا، لا لحصول الامتثال، بل لسقوط الأمر بحصول الغرض في الخارج.
والمقام الثالث: في الماء المشتبه بالمضاف، المصرح به في كلام الأصحاب وجوب التطهير بكل منهما، وهو كذلك لوجود الماء جزما والتمكن قطعا، فيثبت الأمر بالمائية لوجود المقتضي وفقد المانع، ولا يحصل يقين الامتثال إلا بالجمع، فيجب تحقيقا لمقتضي يقين الاشتغال.
والمناقشة فيه: بأنه لابد من الجزم كما في النية، ولا جزم هنا عند شئ من الطهارتين، قد عرفت ما فيها من أن الجزم هنا حاصل قبل التشاغل، فأنه جازم بأن