وهو كما ترى لا يفيد إلا نفي وجوب نزح الجميع على تقدير تسليم أصل الدلالة، وأما تعيين أربعين فلا، إلا إذا ثبت الإجماع على نفي القول الرابع الزائد على الأقوال المذكورة، وهو بمحل من المنع.
واحتج للقول الثالث: برواية كردويه المتقدمة (1)، ورد: بقصور السند أولا، وقصور الدلالة ثانيا، بوضوح اختصاصها بأشياء مخصوصة من دون أن يكون فيها دلالة على الحكم عموما، فالحكم الوارد فيها في الحقيقة من جملة المقدرات الخاصة لا أنه حاكم لما لا تقدير له عموما.
ثم في المسألة وجه آخر احتمله المحقق في المعتبر قائلا - على ما حكي عنه -:
" ويمكن أن يقال فيه وجه [ثالث] وهو: أن كلما لم يقدر له منزوح لا يجب فيه نزح، عملا برواية معاوية المتضمنة لقول أبي عبد الله (عليه السلام) " لا يغسل الثوب ولا يعاد الصلاة مما يقع في البئر إلا أن ينتن "، ورواية ابن بزيع " ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه " وهذا يدل بالعموم فيخرج منه ما دلت عليه النصوص بمنطوقها أو فحواها، ويبقى الباقي داخلا تحت هذا العموم " (2) انتهى.
وهو كما ترى إنما يتجه على القول بوجوب النزح لمجرد التعبد كما اعترف به هو في ذيل تلك العبارة، وإلا فالمتجه تعين نزح الجميع عملا بالأصل المتقدم.
ثم أنه عن الشيخين (3) وأتباعهما (4) فيما تعذر استيعاب ماء البئر فيما يجب نزح الجميع الحكم بالاكتفاء بالتراوح، وهو أن ينزح أربعة، كل اثنين دفعة يوما إلى الليل، فإن " التراوح " تفاعل من الراحة، لأن كل اثنين يريحان صاحبيهما، وكون ذلك كافيا مما جعله في شرح الدروس (5) مشهورا بين الأصحاب، بل في منتهى العلامة: " ولم أعرف مخالفا من القائلين بالنجاسة " (6)، وعن المحقق في المعتبر تعليل الحكم - مضافا إلى ما سيأتي -: " بأنه إذا وجب نزح الماء كله وتعذر فالتعطيل غير جائز، والاقتصار على نزح