ينشأ عن لزوم إدراك ما يحكم عليه بالنجاسة شرعا، المتوقف على التحرز عن الجميع.
وأما الثاني: فلكون كل أمارة على نجاسة محلها بلا معارض فيجب الأخذ بهما معا.
وعن ابن إدريس - في المختلف -: " أنه فصل بين ما أمكن الجمع بينهما وغيره، فحكم بنجاسة الإنائين في الأول واضطرب في الثاني، فأدخله تارة تحت عموم وجوب القرعة لكل أمر مشكل، وأخرجه اخرى عنه مستبعدا لاستعمال القرعة في الأواني والثياب، ولا أولوية للعمل بإحدى الشهادتين دون الاخرى، فيطرح الجميع لأنه ماء طاهر في الأصل فحصل الشك في النجاسة فيبني على اليقين؛ ثم أفتى بعد ذلك كله بنجاسة الإنائين معا، وقبول الشهود الأربع لأن ظاهر الشرع يقتضي صحة شهادتهم، لأن كل شاهدين قد شهدا بإثبات ما نفاه الآخر " (1) ولا يخفى ما في أكثر هذه الكلمات من الاضطراب، وعدم موافقة قانون الاجتهاد، والأقرب ما ذكرناه بما وجهناه.
المطلب الخامس: معنى قيام الأمارة كائنة ما كانت مقام العلم كونها كالعلم بها في ترتب جميع أحكام النجاسة، التي منها تنجس الملاقي ووجوب تطهيره، ولا يفترق الحال في ذلك بين استصحاب وغيره، ولا معنى لاستصحاب طهارة الملاقي حينئذ، لما عرفت من أن ترتب الحكم على الأمارة فرع على بقاء موضوعها، و ورودها محلا فارغا عن أمارة رافعة لموضوعها.
وبجميع ما تقرر في ضمن المطالب المذكورة يعرف أحكام الفروع المتقدم إليها الإشارة، فإن مادة الحمام لا يشترط فيها العلم بعدم النجاسة، بل يكفي في ترتب أحكام الحمام عليها عدم العلم بتحقق سبب النجاسة فيها ما لم تكن مسبوقة بالعلم بها، وإلا فالاستصحاب يقوم مقام العلم بها فيترتب عليه أحكام النجاسة أيضا بأجمعها، فلا تفيد حينئذ تطهيرا لماء الحوض الصغير، ولا تعصمه أيضا عن الانفعال بالغير، بل ربما توجب بمجرد اتصالها به تنجسه شرعا ولو لم يصادفه ملاقاة الغير.
والمادة أو المجموع منها ومما في الحوض المشكوك في كريتهما يبقى على الطهارة، فلا يلحقه النجاسة ما لم يعلم بنقصه عن الكر - على القول باشتراط الكرية - من