فبجميع ما قررناه ينقدح أن ما تقدم عن الفاضلين (1) والشهيد (2) من إفتائهما بنجاسة الماء المشكوك في كريته عملا بأصالة عدم الكرية على إطلاقه ليس على ما ينبغي؛ إذ لا معنى لأصالة عدم الكرية فيما لم يكن مسبوق بالقلة، بل أصالة الطهارة الأصلية في مثله هو الأصل المعول عليه، السالم عن المعارض.
فبالجملة: أصل الطهارة سواء أردنا منه الأصل الاجتهادي المستفاد من عمومات الطهارة، أو الأصل العملي المعبر عنه بالاستصحاب، مما لا يمكن الإغماض عنه في مواضع الشبهة والدوران وانسداد الطرق العلمية، لإجمال في المصداق، أو الصدق، أو المفهوم بالنظر إلى عنوان الكرية وما يقابله.
الجهة الرابعة: بعد ما عرفت أن مقدار الكر من الماء من حكمه أن لا ينفعل بمجرد الملاقاة، فهل يعتبر فيه مساواة سطوحه أو يكفي مجرد اتصال بعضه بعضا ولو مع الاختلاف في سطوحه؟ وعلى الثاني فهل يعتبر في كفاية الاتصال أن لا يكون الاختلاف المفروض معه فاحشا بينا بحيث يخفى على الحس أو يصعب عليه إدراكه، أو أن الاختلاف غير مضر ولو فاحشا بينا للحس؟
وعلى الثاني فهل يعتبر فيه أن يكون بطريق الانحدار كما لو كان الماء في أرض منحدرة، أو لا يضر الاختلاف ولو كان على طريق التسنيم، كما لو سال الماء إلى الأرض في ميزاب ونحوه من الأراضي المرتفعة التي يجري منها الماء إلى ما تحتها بطريق التسنيم كالجبل وما أشبهه؟ وعلى التقادير فهل معنى كفاية مجرد الاتصال وعدم مضرية الاختلاف كون كل من الأعلى والأسفل متقوما بالآخر فلا ينفعل شئ منهما إذا لاقته النجاسة، أو كون الأسفل متقوما بالأعلى دون العكس، فينفعل الأعلى بالملاقاة إن كان أقل من الكر دون العكس؟ وجوه:
قد وقع الخلاف بينهم في كثير منها، ولكن ينبغي النظر في معرفة تفصيل أقوالهم وتشخيص موضع الخلاف عن موضع الوفاق في عبائرهم حسبما وقفنا عليه نقلا وتحصيلا، ولكن الذي يظهر بالتتبع - وصرح به غير واحد - أن المسألة لم تكن معنونة في كلام قدماء