ولو أن شريكين في إناء أخبر أحدهما بنجاسته والآخر بطهارته، قبل الأول لاستلزامه انتفاء موضوع الطهارة، فيكون الثاني قد صادف غير موضوع الطهارة، فلا محل لقبوله.
ومن هنا يعلم حقيقة الحال فيما لو تعارضت البينتان في إناء واحد، فشهدت إحداهما بعروض النجاسة له في وقت معين، وشهدت الاخرى بعدم عروضها له في ذلك الوقت، فإن للأصحاب في ذلك على ما ضبطه بعضهم (1) أقوال أربع:
أحدها: ما عن العلامة في التذكرة (2) والقواعد (3) من إلحاقه حينئذ بالمشتبه بالنجس الذي يجب الاجتناب عنه كالإنائين المشتبهين، وعن فخر المحققين في شرح القواعد (4) أنه جعله أولى، وعن ثاني الشهيدين (5) في بعض فوائده أنه قواه.
وثانيها: ترجيح بينة الطهارة لاعتضادها بالأصل، حكاه فخر المحققين (6) على ما نقل عنه عن بعض الأصحاب.
وثالثها: الحكم بتساقط البينتين والرجوع إلى الأصل، وعن الشهيد أنه ذكره في البيان (7) وقواه، وعن فخر المحققين (8) أنه نسبه مع الذي قبله إلى الشيخ.
ورابعها: العمل ببينة النجاسة لأنها ناقلة عن حكم الأصل، وبينة الطهارة مقررة، والناقل أولى من المقرر، ولموافقتها الاحتياط، و لأنها في معنى الإثبات والطهارة في معنى النفي، وهو منسوب إلى ابن إدريس (9) وعن صاحب المعالم (10) أنه مال إليه بعض المتأخرين، ولا ريب أن هذا القول هو المتعين لا للوجوه المذكورة، بل لما قررناه من الضابطة، ولا يلزم منه تكذيب بينة الطهارة ولا طرحها، لورودها في غير موضوع الطهارة فلا محل لها حتى يعمل بها، بعد ملاحظة دخول المفروض في عنوان ما علم فيه النجاسة علما شرعيا.
كما يعلم من هنا أيضا حكم ما لو تعارضا (11) البينتان في إنائين، بأن يشهد إحداهما بأن النجس هو هذا بعينه، والاخرى بأنه الآخر بعينه، فإنه على القاعدة