الشرط، وإن حصلت المفارقة بينها في كمية المدلول، حيث إن الأربع الاول تفيد المطلب بتمامه، وعمومه بالقياس إلى الماء والنجاسة معا - بناء على ما ستعرف تحقيقه - بخلاف البواقي فإنها لا تفيده إلا في موارد خاصة ورد ذكرها في أسئلة تلك الأخبار، فإن الحكم المستفاد منها لا يتعدى تلك الموارد إلا مع ضميمة خارجية كالإجماع المركب وعدم القول بالفصل، إذ ليس فيها ما يفيد العموم وضعا أو عرفا بالقياس إلى الماء ولا إلى النجاسة، فبمجرد تلك الأخبار لا يمكن القول بأن كل ماء في كل حال ينجس بملاقاة كل نجس كما لا يخفى.
هذا كله على حسبما استفدناه من كلام القوم في تقرير وجه الدلالة، غير أن لنا مناقشة على ما ذكروه في خصوص الأربعة الاول، لعدم انطباق الدلالة القائمة بها على قاعدة حجية مفهوم الشرط، لأن معنى الحجية على القول بها - كما هو المحقق عندنا أيضا كون مفاد القضية بملاحظة أداة الشرط السببية التامة القائمة بالمقدم بالقياس إلى التالي، التي تفسر بكون الشئ بحيث يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم، وقد قطعنا بملاحظة الخارج أن الكرية بنفسها ليست سببا تاما لعدم التنجس، وإنما هو جزء للسبب، لأن السبب التام هو المجموع منها ومن عدم التغير.
هذا بناء على الإغماض عما يساعد عليه النظر، وإلا فلنا أن نمنع دعوى كون هذا المجموع أيضا سببا، لأن المعهود في السبب كونه مؤثرا فيما هو مسبب منه، ونحن نقطع بأنه لا تأثير لشئ من الكرية وعدم التغير في طهارة الماء، بل الطهارة حيثما تكون قائمة من مقتضيات نفس الطبيعة المائية ولوازمها كنجاسة الكلب ونحوها، كما نطق به قوله عز من قائل: ﴿و أنزلنا من السماء ماء طهورا﴾ (1)، وقوله (صلى الله عليه وآله): " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ، إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه " (2).
فإن قضية ذلك كون النجاسة بالنسبة إلى الماء من الطوارئ التي لا يلحقه إلا بعد ارتفاع ما هو من مقتضياته وأوصافه المستندة إلى طبيعته، ولا ريب أن الوصف الأصلي للشئ لا يعقل ارتفاعه عن ذلك الشئ إذا كان بنفسه مقتضيا له، حتى يطرأ محله وصف وجودي