وثانيهما: كثير الدم الذي مثلوه بدم ذبح الشاة، وفي عبارة محكية عن السرائر (1) تحديد أقل الكثير بدم الشاة، وتحديد قليل الدم بما نقص عن دم الشاة، وعن القطب الراوندي (2) ملاحظة الكثرة والقلة بالإضافة إلى ماء البئر كثرة وقلة، فتختلفان باختلافهما فيه، خلافا للمشهور المحكي عنهم ملاحظة الكثرة بالإضافة إلى نفس الدم، وقد تقيد الكثرة بالعرفية.
وفي الجميع نظر لخلوها عن المستند، وعدم ورود الحكم في النصوص منوطا بلفظي " الكثير " و " القليل " حتى ينظر في مفهوميهما، والقول بأن المراد من الكثير ما ظهر من مورد الرواية في مقابل القليل وهما بالنسبة إلى الدم نفسه، واضح الدفع، بأن:
مورد الرواية على ما فهموا منه الكثير ليس إلا ذبح الشاة، وعلى ما فهموا منه القليل ليس إلا ذبح الدجاجة، أو دم رعاف، على ما في رواية علي بن جعفر الآتية (3).
وفيه أولا: عدم قضاء الرواية بالخمسين تعيينا ولا تخييرا، حتى يقال بإناطته بالكثرة المفهومة من مورد الرواية.
وثانيا: عدم قضائها بوقوع دم الشاة المذبوحة بأجمعه في البئر، حتى يجعل ذلك ميزانا لمعرفة مناط الحكم، بل المتأمل في مورد السؤال يعطي وقوع البعض المطلق أو القليل منه فيها، كما أن ذلك هو المفهوم من سؤال الدجاجة، ثم أنه على تقدير انفهام الكثرة عن مورد تلك الرواية فهي كثرة إضافية بالقياس إلى مقابلة دم الدجاجة، وذلك لا يوجب أصلا كليا مطردا في جميع أنواع الدم الكثير حتى ما كان منه دم إنسان أو ثور أو بعير أو نحو ذلك، فالتعدي حينئذ مما لا مسوغ له إلا القياس المبني على استنباط ظني بل وهمي، وهو كما ترى.
فما عن السرائر من أنه: " ينزح لسائر الدماء النجسة من سائر دماء الحيوانات سواء كان مأكول اللحم أو غيره، نجس العين أو غيره، ما عدا دم الحيض والاستحاضة والنفاس إذا كان الدم كثيرا، وحد أقل الكثير دم شاة خمسون دلوا، وللقليل منه وحده ما نقص عن دم شاة عشرة دلاء بغير خلاف، إلى آخره " (4)، مما لم يعرف له مستند، ولو