على الانفعال منطوقا بعنوان الصراحة أو الظهور، والعذر في توجيه ما اشتمل منها على الأوامر أو النواهي بحملهما على التنزه والاستحباب قد عرفت ما فيه، من أنهما محمولان من جهة قرينة المقام على معنى آخر غير الوجوب والتحريم والاستحباب والكراهة وهو الإرشاد، ومعه يثبت المطلب.
هذا مع ما في دعوى كون أخبار المقابل دالة على عدم الانفعال من باب المنطوق على الإطلاق من المنع الواضح، لما سيتضح من أن جملة من ذلك إنما يدل على الحكم مفهوما، وقضية ذلك - مضافا إلى ما سبق - مقابلة مناطيق تلك الأخبار لمناطيق أخبار الانفعال ومقابلة مفاهيمها لمفاهيمها، ولا ريب أن أخبار الانفعال في مناطيقها ومفاهيمها معا مقدمة سندا ومتنا على ما يقابلها منطوقا ومفهوما.
أما تقدمها سندا: فبحكم أن الموهون منها بالضعف والإرسال يتقوى بالعمل، فضلا عما هو المعتبر منها بالصحة والموثقية والحسن، كما أن المعتبر من الطرف المقابل يتوهن بالإعراض، ويسقط به عن درجة الاعتبار، فكيف بما هو غير معتبر منه في حد ذاته.
وأما تقدمها متنا: فبحكم المرجحات الداخلية من جهة الدلالة وغيرها، والخارجية باعتبار المضمون وجهة الصدور، وتوضيح ذلك يحتاج إلى ذكر تلك الأخبار مفصلة والتكلم عليها دلالة وغيرها، فنقول: إنها تشتمل على طوائف:
الطائفة الاولى: ما يدل بمنطوقه على المطلب في الماء والنجاسة بعنوانهما الكلي كالنبوي المتقدم، المدعى تواتره " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ، إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه " (1) والخبر المستفيض المروي في الكتب الأربعة بطرق متعددة " الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر " (2) وصحيحة محمد بن حمران وجميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) - الواردة في باب التيمم من زيادات التهذيب - أنهما سألاه عن إمام قوم أصابته في سفر جنابة وليس معه من الماء ما يكفيه في الغسل أيتوضأ ويصلي بهم؟
قال: " لا ولكن يتيمم ويصلي، فإن الله تعالى جعل التراب طهورا، كما جعل الماء