طهورا " (1) و صحيحة داود بن فرقد - في باب استنجاء زيادات التهذيب - المروية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " كان بنوا إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من البول - إلى قوله (عليه السلام) -:
وجعل لكم الماء طهورا إلخ " (2).
والجواب عن هذه الجملة تارة على الجملة، واخرى على التفصيل.
أما الأول: فأي عاقل يرضى بالعمل على تلك الأخبار التي هي أعم عمومات ما ورد في الماء، ورفع اليد عن أول أنواع ما تقدم من أخبار الانفعال الذي تضمن نصوصا صريحة لا سبيل إلى إبداء احتمال الخلاف فيها، وإن اختص بموارد خاصة من النجاسات كالكلب والنبيذ، وهل هذا إلا الخروج عن جادة الإنصاف، والتشبث بذريعة الاعتساف، بل هو في الحقيقة يرجع إلى التعمد على مخالفة الحجة، على ما هو دأب أهل الخلاف الملتزمين بإبداء القول على خلاف قول الحجة.
وأما الثاني: فلمنع دلالة أخبار هذه الجملة على خلاف ما يقتضيه أخبار الانفعال، أما في الخبرين الأخيرين فلوضوح كون الإطلاق فيهما مسوقا لبيان حكم آخر وهو قيام وصف المطهرية بالماء بحسب خلقته الأصلية، وأما عدم قبوله الانفعال لعارض فلا تعرض فيهما لبيانه أصلا، ولذا نقول: إنه لا تنافي بينهما وبين أخبار التغير الموجب للانفعال، نعم لو ثبت أنهما يدلان على أن الطبيعة المائية علة تامة للمطهرية اتجه القول بالدلالة على الحكم المذكور، ولكنه يدفعه: منع الدلالة أولا، بل غاية ما فيه الدلالة على أنها مقتضية لها فلا ينافيه مجامعة المانع الرافع لما هو مقتضاها، وكونها منقوضة ثانيا بالتغير الموجب لزوال الوصف عنه المانع عن حصوله ما دام باقيا، فلو سلمنا فيها الدلالة ظاهرا فكشف عن خلافها القاطع المثبت للتغير عنوانا مقتضيا للتنجس المنافي للوصف المذكور.
وأما في الثاني: فلعدم تعرض فيه أيضا لبيان حكم الانفعال وعدمه.
وتوضيح ذلك: أن الطهارة في قوله: " كل ماء طاهر " إن اريد بها الحكم الواقعي الإلهي المجعول لطبيعة الماء، أو الثابت فيه بحسب الواقع فهو لا يغيا بالعلم بالقذارة؛ لأنها من الأحكام التي لا يدخل فيها العلم والجهل، بل هي ثابتة لموضوعها في نفس