وثالثها: أنه بعد فرض فقد المرجح والعجز عن الجمع يصير المسألة من باب التعادل، وأقل مراتبه البناء على التساقط، أو التوقف والرجوع إلى الخارج من أصل ونحوه، ولا ريب أن المرجع حينئذ النوع الأول من أخبار الانفعال، والقسم الأول من مفاهيم أخبار النوع الثالث، لبقائها سليمة عن المعارض.
وليس لأحد أن يقول: باختصاص بعض الأخبار الدالة على عدم الانفعال بالقليل، كحسنة محمد بن ميسر المشتملة على الماء القليل، لمنع كونه مرادا به ما هو موضوع المسألة، إذ لم يثبت فيه للشارع ولا للأئمة (عليهم السلام) ولا أهل زمانهم اصطلاح بالقياس إليه في المعنى المعهود عند الفقهاء، فيحمل على ما يساعده عليه العرف فيعم الكر وما زاد عليه، وعلى فرض تسليمه أمكن دعوى ظهوره في الجاري، كما يومئ إليه تمسكهم في بحث الجاري بتلك الرواية على عدم انفعال القليل منه بالملاقاة، فلو سلم عدم الظهور فأقل المراتب كونه أعم من الجاري والراكد، قابلا للتخصيص بالجاري، فينتهض الأخبار المقامة على الانفعال مخصصة لها، لظهور أكثرها في قليل الراكد، مع توجه المنع إلى أصل الدلالة في جملة منها وإمكان القدح فيها، كما في صحيحة زرارة الواردة في الحبل من شعر الخنزير، وصحيحة هشام الواردة في إصابة الثوب مما يكف عن السطح الذي يبال عليه، وروايتي العلاء بن الفضيل وإسماعيل بن مسلم الواردتين في الحياض.
أما الاولى: فلمنع دلالتها على أن الماء الذي يتوضأ هو الذي يستقى بالحبل المفروض، فتكون الرواية من أدلة عدم انفعال البئر بالملاقاة، وعلى فرضه فيتجه المنع إلى كون الماء المستقى مما لاقاه ذلك الحبل، أو تقاطر منه فيه شئ، ولعل السؤال ورد لاحتمال ذلك فأجاب المعصوم (عليه السلام) بما دله على أن الاحتمال مما لا يوجب المنع، وعلى فرضه فورودها مورد التقية احتمال ظاهر.
وأما الأخيرتان فلظهورهما في الكرية، لأن الغالب في الحياض التي يتخذها الناس كونها مما يسع الكر وما زاد، سيما في البلاد التي ليس عند أهلها مياه جارية ولا غيرها، فإن ديدنهم في مثل ذلك اتخاذ الحياض لحفظ الكر، الذي يرجع إليه في تطهير النجاسات ونحوه.
وأما صحيحة هشام فأصل الحكم الوارد فيها مما لا إشكال فيه، بل هو في مورد