وخصوص الخبر المستفيض " الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر " (1) كما أسسناه وشيدناه، وبالغنا في إحكامه بتتميم الاحتجاج عليه، وعلى الأخيرتين: يرجع إلى الاستصحاب الجاري فيهما، هذا كله لو اريد بالوسواس ما يحصل للمعتدلين من المكلفين، وأما غيرهم فوسواسهم إنما ينشأ من قبل الشيطان فلا يكون منشأ للأثر.
وإن اريد به أن من الأناسي طوائف لا يتمكنون عن الكرية، ولا ما هو بمنزلتها لعدم وجود المياه الجارية ولا الراكدة الكثيرة عندهم، فيشق عليهم الأمر في حفظ المياه القليلة عن الانفعال، ومعه يشكل ويعسر عليهم الأمر في سائر معايشهم.
ففيه: بعد تسليم مثل هذا الفرض، إنا لا نعقل إشكالا ولا عسرا في حفظ المياه حينئذ عن الانفعال، كما أنهم يحفظون المآكل والملابس وغيرها عنه، ومعه لا مجال للوسواس أصلا، سيما بعد ملاحظة ما أوسع الله عليهم من إناطة النجاسة بالعلم بها واكتفائه في طهارة كل شئ بمجرد عدم العلم بالقذارة، مع أن لزوم محذور في بعض الفروض النادرة لا يقضي بنقض القاعدة الكلية، المنوطة بمصالح عامة ملحوظة فيها حال الغالب أو الأغلب، وإلا فكم من هذا القبيل، فيلزم حينئذ هدم جميع القواعد والضوابط الشرعية، مع أن ذلك لو صلح نقضا لكان وروده على المستدل أوضح، وقضى بعدم اعتبار الكرية بالكلية، وستعرف عنه فيما يأتي من تأويله لأخبار الكر أنه يعتبرها ميزانا لمعرفة التغير وعدمه بالنجاسة المعتادة حيثما لم يكن ظاهرا عند الحس.
وأنت خبير: بأن ذلك أكثر إثارة للوسواس، وأشد مدخلية في صعوبة الأمر على الناس، لكثرة ما يتفق لهم من الشك في التغير عند عدم ظهوره للحس، فيكون نتيجة كلامه إنكارا لما ثبت بضرورة من المذهب - بل الدين - نظرا إلى أن اعتبار الكثرة في الماء في الجملة مما اتفق عليه الفريقان، غاية الأمر وقوع الخلاف بينهما في تقدير تلك الكثرة، حيث إن الأصحاب رضوان الله عليهم قدروها بالكرية أخذا برواياتهم المستفيضة، وغيرهم يقدرونها بطرق اخر مما تقدم إليها الإشارة.
وأما ما ذكره في تأييد هذا الكلام: " من أنه لم ينقل من أول عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى آخر الصحابة واقعة في الطهارات، ولا سؤال عن كيفية حفظ المياه من النجاسات "، فهو