القول فيه مع الدليل عليه في الاصول، ومجمل ذلك: أن مفهوم المخالفة كائنا ما كان يعتبر بينه وبين منطوقه الوحدة والمطابقة من جميع الجهات التي منها الكم، إلا جهتي الإيجاب والسلب وموضوعيهما، وكما أن في منطوق قوله (عليه السلام): " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (1) عموما من جهات أربع:
الأول: في الماء، والثاني: في الشئ، وهذان عمومان أفراديان، والمعنى: كل فرد من أفراد الماء، وكل فرد من أفراد الشئ المنجس، والثالث: في قدر الكر، والرابع: في لم ينجسه، وهذان عمومان أحواليان، فالأول منهما في كيفيات مقادير الكر ومحال وقوعه وأنحاء شكله، والثاني في كيفيات الملاقاة من التساوي والاختلاف، تسنما أو انحدارا، وورود النجاسة على الماء أو ورود الماء على النجاسة، وأمثال ذلك، مما يستفاد من النسبة، فكذلك يجب أن يعتبر هذا العموم في جانب المفهوم أيضا من جميع الجهات المذكورة، ولا ينافي العموم من الجهة الأخيرة في المفهوم كون عموم الشئ في جانب المنطوق وضعيا، لكونه نكرة في سياق النفي، والوضع منتف عنه في جانب المفهوم، لأن انتفاء الوضع لا يوجب انتفاء ما يقوم مقامه، كما في المجازات وغيرها، وقد قامت القرينة العرفية بل العقلية القطعية على اعتبار العموم في جانب المفهوم أيضا، غايته أنه عموم معنوي حيث لا معبر له في الكلام، ولعله صار منشأ لمزال بعض الأقدام، وكأنه غفلة عن قضية السببية، أو الملازمة المطلقة التي يستحيل معها تحقق المسبب بدون السبب، أو اللازم بدون الملزوم، وإلا لما كان السبب سببا ولا الملزوم ملزوما وقد فرضنا خلاف ذلك.
ومن أجل ما ذكر نحكم على من أنكر العموم في مفهوم يكون منطوقه عاما - ولو من جهة الإطلاق والسكوت عن التقييد في معرض البيان - بأن مآله إلى إنكار أصل الحجية، مع أنه يعد نفسه من أهل القول بها، ولا يخفى ما في هاتين الدعويين من التهافت الواضح، وهذا ليس بعادم النظير، بعد ما كان مبناه على الغفلة عن حقيقة الحال، والله العالم في جميع الأحوال.
وبقي الكلام في حجة القول بعدم انفعال القليل بملاقاة النجاسة، وقد احتج العلامة