وتكلم مع أهل القول بعدم اعتبار المساواة بالمناقشة في أدلتهم من العمومات والأصل والاستصحاب -: " وينشأ من إطلاق الأخبار بأن بلوغ الماء كرا عاصم له عن الانفعال بالملاقاة، والأخبار الدالة على التحديد بالمساحة و إن أفهمت بحسب الظاهر اعتبار الاجتماع فيه، إلا أنه إن أخذ الاجتماع فيها على الهيئة التي دلت عليه فلا قائل به إجماعا وإن أخذ الاجتماع الذي هو عبارة عن تساوي السطوح فلا دلالة لها عليه صريحا " - إلى أن قال -:
" فمجال التوقف في الحكم المذكور لما ذكرناه بين الظهور والاحتياط لا يخفى " (1).
وأما المقام الثاني: فمحصل خلافهم فيه يرجع إلى قولين:
أحدهما: ما عليه الأكثر من أنه لا يتفاوت الحال في عدم قدح الاختلاف في تقوي بعض الماء ببعض بين الأعلى والأسفل، وهو المستفاد من الجماعة المتقدمة صراحة وظهورا.
وثانيهما: ما هو صريح جامع المقاصد في شرح القواعد، حيث - إنه بعد ما نقل عبارة المتن من أنه لو اتصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة - قال: " يشترط في هذا الحكم علو الجاري، أو مساواة السطوح، أو فوران الجاري من تحت القليل إذا كان الجاري أسفل، لانتفاء تقويه بدون ذلك " (2).
وربما يعزى ذلك إلى صريح العلامة في التذكرة (3)، والشهيد في الدروس (4)، والذكرى (5)، والبيان (6)، وقد يتوهم لأجل ذلك التدافع بين كلامي العلامة بل الشهيد أيضا، حيث إنهما يصرحان في موضع بالحكم من دون تقييد بما يقضي بعدم تقوي الأعلى بالأسفل، ثم يصرحان عقيب ذلك بقليل بما يخالف ذلك، وأنت إذا تأملت في أكثر عبائرهم لوجدتها غير مخالفة لما عليه الأكثر لا صراحة ولا ظهورا و إن أوهمت ذلك في بادي النظر، وإن شئت صدق هذه المقالة فلاحظ ما ذكره الشهيد في الدروس بقوله:
" ولو كان الجاري لا عن مادة ولاقته النجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا، ولا ما تحتها إن كان جميعه كرا فصاعدا إلا مع التغير " (7)، فأطلق الحكم بعدم نجاسة ما تحت موضع الملاقاة إذا بلغ المجموع كرا من غير اشتراط استواء السطح.