(كتاب المضاربة) من الضرب في الأرض، لضرب العامل فيها للتجارة، وابتغاء الربح بطلب صاحب المال، فكان الضرب مسبب عنهما، طردا لباب المفاعلة في طرفي الفاعل، أو من ضرب كل منهما في الربح بسهم، أو لما فيه من ضرب المال وتقليبه، كذا قيل ولعل الأولى من ذلك في تحقق المفاعلة ضرب كل منهما فيما هو للآخر من المال والعمل، ويقال: للعامل مضارب، بكسر الراء، لأنه الذي يضرب في الأرض.
ولم نعثر على اشتقاق أهل اللغة اسما لرب المال من المضاربة التي هي لغة أهل العراق، فأما أهل الحجاز فيسمونه قراضا، من القرض بمعنى القطع الذي منه المقراض، فكان صاحب المال اقتطع من ماله قطعة، وسلمها للعامل الذي أقطع له قطعة من الربح، أو من المقارضة بمعنى المساواة والموازنة، يقال: " تقارض الشاعران " إذا وازن كحل منهما الآخر بشعره، ومنه " قارض الناس، ما قارضوك، فإن تركتهم لم يتركوك " بمعنى ساوهم فيما يقولون، ولما كان العمل من العامل والمال من المالك فقد تساويا وتوازنا، أو لاشتراكهما في الربح وتساويهما في أصل استحقاقه، وإن اختلفا في كميته، ويقال للعامل هنا: مقارض بالفتح، وللمالك بالكسر، والأمر في ذلك كله سهل، لعدم الثمرة المعتد بها على ذلك.
إنما الكلام فيما ذكره في المسالك، تبعا للتذكرة، قال: " واعلم أن من دفع إلى غيره مالا ليتجر به فلا يخلو إما أن يشترطا كون الربح بينهما أو لأحدهما أو لا يشترطا شيئا: فإن شرطاه بينهما فهو قراض، وإن شرطاه للعامل، فهو قرض، وإن شرطاه للمالك فهو بضاعة، وإن لم يشترطا شيئا فكذلك إلا أن للعامل أجرة المثل ".