على أن هؤلاء المستشرقين الذين تنحطون عليهم وترمونهم دائما بأنهم يطعنون في ديننا ويشوهون ديننا وعلمنا هم في الحقيقة لم يتجنوا علينا ولم يفتروا شيئا من عند أنفسهم، وإنما وجدوا مادة خصبة من الخرافات والأوهام قد انبثت في ديننا ونسب بعضها - وا أسفاه - إلى النبي صلى الله عليه وآله فتشبثوا بها وتسلقوا عليها وانتقدونا من أجلها، ولا تثريب عليهم في ذلك. لأنهم قوم يفهمون بعقول راجحة وأذهان مستنيرة وعلوم واسعة وأفكار متحررة لا يكبلهم شئ من تقليد أو عبادة للاسلاف، ولا يعرفون عبارة (قال المصنف رحمه الله!) من أجل ذلك لا تلوموهم ولوموا أنفسكم. ثم اجعلوا ردكم عليهم وصدكم لهجومهم أن تعمدوا إلى دينكم فتمحصوه وتطهروه من الشوائب التي لحقت به حتى يعود كما جاء على لسان محمد صلى الله عليه وآله دينا قيما صافيا يتبين منه لأهل هذا العصر ومن يأتي بعدهم إلى يوم الدين أنه دين العقل والعلم والحرية والفكر.
هذا هو ما يجب عليكم إن كنتم تستطيعون، أما طريقتكم هذه التي تتبعونها من الطعن فيهم في كل مناسبة ونبز كل من يتكلم بكلمة الحق أنه يساعدهم فهذا ليس بسبيل العلماء المحققين الذين يعرفون قدر أنفسهم، ولو أنكم قد فهمتم كتابنا كما يجب أن يفهمه العلماء المحققون لتبين لكم أن الامر فيه بعكس ما تظنون، ذلك أن من أغراضه الواضحة أنه يصحح للمستشرقين وغير المستشرقين من المسلمين ما قد يوجد في بعض الأحاديث من شبهات أو مشكلات فيحيل وزرها على الذين أتوا بها من الرواة وينزه النبي صلى الله عليه وآله عن قولها، مثل حديث:
أين تذهب الشمس بعد الغروب، الذي قالوا فيه: إن إسناده جيد، ذلك الذي يضحك الأطفال لأنه يخالف دليل العلم وشاهد الحس، إذ يفيد أن الشمس عندما تغرب تصعد إلى عرش الرحمن فتسجد تحته ثم تستأذن ربها في الطلوع في اليوم الثاني فلا يؤذن لها، وتظل تستأذن حتى يجيئها الاذن فيجرها سبعون ألف ملك من المغرب إلى المشرق لكي تطلع على الناس في اليوم الثاني! ومثل حديث خلق الله التربة يوم السبت الذي صرح فيه أبو هريرة بأنه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وآله ويده في يده! ثم تبين للعلماء أنه قد تلقاه عن كعب الأحبار اليهودي - وهذا الحديث مخالف لنص القرآن الكريم.
والأمثلة على ذلك كثيرة بيناها في كتابنا هذا وفى كتاب الأضواء