وانتهوا عن الكتابة انتهاء مطلقا، إن بمكة وإن بالمدينة (1)، وكل ما جاء عنهم من حديث عن رسول الله إنما كان من طريق الرواية لا من طريق الكتابة وجرى الامر على ذلك إلى أن جاء عهد التدوين (2) - وكان ذلك في القرن الثاني ثم تطور فيما يلي هذا القرن من القرون، وانعقد الاجماع على أن أول من أمر بتدوين الحديث هو عمر بن عبد العزيز الذي تولى سنة 99 وأنه كلف بذلك أبا بكر بن حزم الأنصاري المتوفى سنة 120، ولكن لم يأت خبر عن الأنصاري هذا لا صحيح ولا مكذوب بأنه ألف كتابا في هذا التدوين، وقد ذكروا أن أول كتاب دون في الحديث هو موطأ مالك المتوفى سنة 179 ه وهذا الكتاب، وكل ما جاء بعده من كتب الحديث، قد أتانا من طريق الرواية لا من طريق الكتابة عن النبي صلى الله عليه وآله. والمقطوع به الذي لا يختلف عليه اثنان ولا يحتاج في إثباته إلى برهان، أنه لم يدون كتاب في الحديث في القرن الأول.
كل ذلك إنما ينسخ بل ينسف ما سماه هذا الشيخ نصوصا، ويقضى عليها قضاء مبرما، وإنا لنتحدى شيوخا مرة ثانية أن يثبتوا - إن استطاعوا - أن كتابا واحدا من كتب الحديث كلها ما سموه صحيحا وما سموه سننا قد جاء من طريق الكتابة عن النبي صلى الله عليه وآله أو عن صحابته في القرن الأول أو غيره من القرون حتى تصدق دعاواهم الباطلة!