الحافظة، ضابطا لكل ما يسمع، لا تفلت منه كلمة، ولا يند عنه لفظ، فلم لم يحفظ القرآن الكريم على فراغه، وطول عمره! وقد حفظه كثير من الرجال، وكذلك بعض النساء، ومنهن أم ورقة (1) بنت عبد الله بن الحارث الصحابية، وكان النبي يسمها الشهيدة، ولم لم يتعلم القراءة والكتابة، ويرضى أن يكون أميا!
ولعل ذلك لان عدم معرفة القراءة والكتابة من صفات الكمال عنده.
ولو كان أبو هريرة قد بلغ هذه الدرجة التي لم يبلغها قط إنسان قبله، ولا يبلغها أحد بعده. وهي (عدم النسيان) لاشتهر عنه ذلك، ولأصبح وحده (علما مفردا) يرجع المسلمون جميعا إليه، وبخاصة في عهد أبى بكر وعمر، ولكان له - في الاسلام خاصة - على مد عصوره مقام أي مقام، إذ يكون دون سواه موضع ثقة الصحابة جميعا، فيأخذون بالثقة كل ما يجرى به لسانه، ويقبلون مطمئنين كل ما يلقيه عليهم من رواياته، وتستمر هذه الثقة إلى من بعد الصحابة من التابعين، ومن بعدهم إلى يوم الدين، ثم تكون كل أحاديثه من دون أحاديث الصحابة جميعا (متواترة في لفظها ومعناها، لا ينال منها الشك، ولا يعتريها الظن، وتأتي في درجة الثقة بعد القرآن الكريم).
ولكن الامر قد جرى على غير ذلك، فلم يكن له شأن يذكر في زمن النبي صلى الله عليه وآله ولا في عهد الخلفاء الراشدين، وقد عرفت من قبل مبلغ ثقة عمر به فقد كان ينهاه عن رواية الحديث، ولما لم يرجع ضربه بالدرة، وأنذره إذا هو روى أن ينفيه إلى بلاده. ولو كان أبو هريرة على ما زعم، لأباح عمر له وحده أن يروى، ولكان عنده وعند غيره أصدق من روى وأوثق من حدث، ولم يقف الامر بهم عند ذلك بل إنهم قد اتهموه وكذبوه في الرواية - كما علمت من قبل - وكان بذلك كما بينا أول راوية اتهم في الاسلام.