إشفاقا عليهم من النسيان، وإنها على مقتضى الحديث الثاني (حديث المقبري)، إنما كانت بين أبي هريرة خاصة ورسول الله، والمبتدئ فيها إنما هو أبو هريرة، حيث شكا نسيانه إلى رسول الله!
وأيضا فإن الحديث الأول يقتضى: تخصيص عدم النسيان بتلك الحالة فقط (1) لقوله فيه: ما نسيت من مقالته تلك شيئا!
والحديث الثاني: يقتضى العموم في عدم النسيان لكل شئ من الأشياء، حديثا كان أم غيره مطلقا لقوله فيه: ما نسيت شيئا بعده، فإن النكرة في سياق النفي حقيقة في العموم - وقد ارتبك هنا شارحو البخاري، وارتجت عليهم أبواب الاعتذار عنه، حتى قدر ابن حجر في فتح الباري وقوع هذه القصة مرتين!
وقد أخرج مسلم هذا الحديث وقال فيه: فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به، وهذا يقتضى كون عدم النسيان أعم مما اقتضاه الحديث الأول وأخص مما اقتضاه الحديث الثاني.
ونحوه حديث ابن سعد بسنده إلى عمرو بن مرداس بن عبد الرحمن الجندي عن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله: ابسط ثوبك فبسطته فحدثني النهار ثم ضممت ثوبي إلى بطني فما نسيت شيئا مما حدثني، لكن قوله فيه: فحدثني النهار لا يوجد في هذا الحديث إلا من هذا الطريق طريق الجندي فقط، وبه كان مخالفا لكل ما جاء في هذا الموضوع من سائر الطرق إلى أبي هريرة (2).
وبعد أن أورد العلامة شرف الدين أحاديث غير ذلك فيها غرائب ومنها حديث أخرجه أبو نعيم عن أبي هريرة: أن رسول الله قال: يا أبا هريرة:
ألا تسألني عن هذه الغنائم التي يسألني أصحابك (3) فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله! قال: فنزعت نمرة (4) على ظهري - وفى حديث آخر (ليس