إن من أعجب العجب حقا أن يستعلن أبو هريرة بهذا الحديث، ولا يخشى أن تفضحه الحقيقة، وتنقضه سيرته التي عرفها الناس من أول يوم نزح فيه من بلاده ليخدم النبي صلى الله عليه وآله وذلك عندما طمع فيما ليس له بحق، فطلب من النبي صلى الله عليه وآله أن يسهم له من غنائم خيبر وهو لم يشهد حربها، ونال على هذا التطفل جزاء وفاقا من أبان بن سعيد - ويزيد هذا الحديث افتضاحا وتناقضا، ما وقع منه وهو في البحرين واتهام عمر إياه بسرقة مال المسلمين!
ويبدو لمن يدرس نفسية أبي هريرة من خلال سيرته أنه كان مصابا بالمرض الذي يسمى في هذا الزمان (بمركب النقص)، فهو من أجل ذلك يسعى ليستكمل هذا النقص، ويخلع عن نفسه (إزار) الخمول والضعة ليستبدل به لبدة الأسد، ووجد أن أسهل طريق يبلغه مأربه، أن يبث أخبارا عن نفسه ثم ينسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله توهم من يسمعها أنه كان ذا منزلة خاصة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه كان يؤثره على غيره من كبار الصحابة بفضله!
ومما سول له أن لا يتحرج في الرواية، وأن يذهب فيها كل مذهب، بحيث لا يخشى في ذلك شيئا. أن كان المفترى عليه صلوات الله عليه قد انتقل إلى الرفيق الاعلى، وأن وجد الأصحاب الكبار الذين يكذبونه في مزاعمه، قد انتقلوا جميعا إلى رحمة الله، وبخاصة عمر الذي ذهب عنه الخوف من درته التي كانت تباشر ظهره إذا ما روى - وقد صرح هو بعد أن استباح لنفسه الرواية فقال:
إني أحدثكم بأحاديث لو حدثت بها في زمن عمر لضربني بمخفقته، ولا تنس أن وضع الحديث كان قد فشا واستفاض في عهد معاوية كما بينا.
ومن الأسباب التي أعانته على الرواية هو اتساع الفتوح الاسلامية، ومن أسلموا فيها لا يعرفون شيئا مما كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وخلفائه الراشدين، ومن وراء ذلك كله كان السلطان يؤيده، ويوسع له ولغيره مجال الوضع.
كل ذلك قد جعله - بعد أن خلا الجو له - أن يرخى لنفسه عنان الرواية ويهيم في أوديتها، ويفتن ما شاء أن يفتن فيها، حتى سال سيلها، وطم واديها، وأصبح بذلك (محدث الدولة الرسمي) فكل ما يرويه يجب أن يكون صحيحا مقبولا!