عن التسليم به، اللهم إلا إذا فقد الناس عقولهم، وتجردوا من علمهم، وأصبحوا أغبياء لا يفقهون!
ومن ذا الذي يتصور أو يصدق أو يسلم بأنه صلوات الله عليه قد قضى بمكة ثلاث عشرة سنة نزل عليه فيها أكثر من ثمانين سورة، ولا يكون فيها شئ لا يحتاج إلى بيان أو إيضاح، أو قول من الحق فيما يختلف الناس فيه!
هذا - وإن مما تدفعه بدائه العقول أن تخلو مجالس النبي صلى الله عليه وآله التي كان يعقدها بمكة ليلا ونهارا مدى هذا الزمن الطويل من تعاليم وآداب وحكم وغير ذلك مما ينفع الناس في حياتهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم من أمورهم!
ومعلوم أن كل لفظة من ألفاظه التي ينطق بها إنما تنطوي على منافع وفوائد جليلة مما يجب حفظه والحرص عليه إن في حياته، أو بعد مماته.
وأين الذين يستعلنون بهذا القول الفاسد والرأي العقيم مما أمر الله به رسوله غير مرة في القرآن الكريم، أن يبين للناس ما نزل إليهم ويبين ما يختلفون فيه من مثل قوله تعالى (16 - 44): " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون "، وقوله تعالى (16 - - 64): " وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " فهل كان ذلك لما نزل بالمدينة فحسب، ولم يكن لما نزل بمكة؟
وإن في هاتين الآيتين وحدهما للرد المفحم والجواب المسكت على هذا القول العجيب - ومن الغريب أنهما مكيتان جاءتا في سورة النحل - وهي مكية بالاجماع إلا بعض آيات في آخرها.
هذا وإن هذا الادعاء الباطل الذي أتى به شيوخنا من أن النبي صلى الله عليه وآله قد أباح كتابة الحديث، وكتبه أصحابه (1) (في العهد المدني) لا بد له من