قلبه نورا وإيمانا وهو مقتول ولقد أشفقت عليه ولن يفلح القوم بعد قتلهم إياه فمضى الفتى بالمصحف حتى وقف بإزاء عسكر عائشة وطلحة والزبير حينئذ عن يمين الهودج وشماله وكان له صوت فنادى بأعلى صوته معاشر الناس هذا كتاب الله وان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " ع " يدعوكم إلى كتاب الله والحكم بما انزل الله فيه فأنيبوا إلى طاعة الله والعمل بكتابه قال وكانت عائشة وطلحة والزبير يسمعون قوله فأمسكوا فلما رأى ذلك أهل عسكرهم بادروا إلى الفتى والمصحف في يمينه فقطعوا يده اليمنى فتناول المصحف بيده اليسرى وناداهم بأعلى صوته مثل ندائه أول مرة فبادروا إليه فقطعوا يده اليسرى فتناول المصحف واحتضنه ودماؤه تجرى عليه فناداهم مثل ذلك فشدوا عليه فقتلوه ووقع ميتا فقطعوه إربا إربا ولقد رأينا شحم بطنه اصفر، قال وأمير المؤمنين واقف يراهم فاقبل على أصحابه وقال إني والله ما كنت في شك ولا لبس من ضلالة القوم وباطلهم ولكن أحببت ان يتبين لكم جميعا ذلك من بعد قتلهم الرجل الصالح حكيم بن جبلة العبدي في رجال صالحين معه ووثوبهم بهذا الفتى وهو يدعوهم إلى كتاب الله والحكم والعمل بموجبه فثاروا عليه فقتلوه لا يرتاب بقتلهم إياه مسلم ووقعت الحرب واشتدت فقال أمير المؤمنين " ع " احملوا عليهم بسم الله حم لا ينصرون وحمل عليه السلام هو بنفسه والحسنان " ع " وأصحاب رسول الله معه فغاص في القوم بنفسه فوالله ما كانت ألا ساعة من نهار حتى رأينا القوم شلايا يمينا وشمالا صرعى تحت سنابك الخيل ورجع أمير المؤمنين مؤيدا منصورا فتح الله عليه ومنحه أكتافهم فامر بذلك الفتى وجميع من قتل معه فلفوا في ثيابهم بدمائهم لم تنزع عنهم ثيابهم وصلى عليهم ودفنهم وأمرهم ان لا يجهزوا على جريح ولا يتبعوا لهم مدبرا وامر بما حوى العسكر فجمع له فقسمه بين أصحابه وامر محمدا ابن أبي بكر ان يدخل أخته إلى البصرة فتقيم بها أياما ثم يرحلها إلى منزلها بالمدينة.
قال عبد الله بن مسلمة كنت ممن شهد حرب الجمل فلما وضعت الحرب أوزارها