بالمودة ويظهر لهم سر رسول الله (ص) في الحرب وغيره، والانسان يضيق صدره عن سره حتى يفشيه إلى غيره ويستكتمه، ثم السامع يفشيه إلى غيره حتى يصير ظاهرا عن قريب، فلو كان هنا توهم المواطأة لظهر ذلك، فالقول بأنه كان بينهم مواطأة وانكتم أصلا شبه المحال، وهو بمنزلة قول من يزعم أن الكفار عارضوا القرآن بمثله ثم انكتم ذلك فإن هذا الكلام بالاتفاق بين المسلمين شبه المحال، لان النبي عليه السلام تحداهم في محافلهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو سورة منه فلو قدروا على ذلك لما أعرضوا عنه إلى بذل النفوس والأموال والحرم في غزواته، ولو عارضوه به لما خفي ذلك، فقد كان المشركون يومئذ أكثر من المسلمين، ولو لم يظهر الآن فيما بين المسلمين لظهر في ديار الشرك إذ لا خوف لهم، وتلك المعارضة حجة لهم لو كانت، والانسان على نقل الحجة يكون أحرص منه على نقل الشبهة، كيف وقد نقلت كلام مسيلمة ومخاريق المتنبئين من غير أن يكون لشئ من ذلك أصل، فكما تبين بهذا التقرير انقطاع توهم المعارضة، وكون القرآن حجة موجبة للعلم قطعا فكذلك ينقطع هذا التوهم في المتواتر من الاخبار.
فإن قيل: لكونه خلاف العادة أثبتنا علم طمأنينة القلب به ولكون الاتفاق متوهما لم نثبت به علم اليقين كما ذكرنا من حال من رأى آثار الموت في دار إنسان وأخبر بموته. قلنا: طمأنينة القلب في الأصل إنما تكون بمعرفة حقيقة الشئ، فإن امتنع ثبوت ذلك في موضع فذلك لغفلة من الناظر حيث اكتفى بالظاهر، ولو تأمل وجد في طلب الباطن لظهر عنده التلبيس والفساد، كما يكون في حق المخبر بموت الميت، وإنما تتحقق هذه الغفلة في موضع يكون وراء ما غايته حد آخر، بمنزلة ما يراه النائم في منامه، فإن عنده أن ما يراه هو الحقيقة في ذلك الوقت، ولكن لما كان وراء هذا الحد حد آخر للمعرفة فوقه وهو ما يكون في حالة اليقظة، فباعتبار هذه المقابلة يظهر أن ما يراه في النوم لم يكن موجبا للمعرفة حقيقة، فأما هنا ليس وراء الطمأنينة الثابتة بخبر التواتر حد آخر للعلم فوقه على ما بينا أن الثابت بخبر التواتر والثابت بالمعاينة في وقوع العلم به سواء، فالموجب للعلم هنا معنى في قوة الدليل وهو انقطاع