وكان ابن جرير رحمه الله يقول: الاجماع الموجب للعلم قطعا لا يصدر عن خبر الواحد ولا عن قياس، لان خبر الواحد والقياس لا يوجب العلم قطعا فما يصدر عنه كيف يكون موجبا لذلك؟ ولان الناس يختلفون في القياس هل هو حجة أم لا؟
فكيف يصدر الاجماع عن نفس الخلاف؟ وهذا غلط بين، فقد بينا أن إجماع هذه الأمة حجة شرعا باعتبار عينه لا باعتبار دليله، فمن يقول بأنه لا يكون إلا صادرا عن دليل موجب للعلم فإنه يجعل الاجماع لغوا وإنما يثبت العلم بذلك الدليل، فهو ومن ينكر كون الاجماع حجة أصلا سواء، وخبر الواحد والقياس وإن لم يكن موجبا للعلم بنفسه فإذا تأيد بالاجماع فذلك يضاهي ما لو تأيد بآية من كتاب الله أو بالعرض على رسول الله (ص) والتقرير منه على ذلك فيصير موجبا للعلم من هذا الطريق قطعا، وقد كان في الصدر الأول اتفاق على استعمال القياس وكونه حجة على ما نبينه، وإنما أظهر الخلاف بعض أهل الكلام ممن لا نظر له في الفقه، وبعض المتأخرين ممن لا علم له بحقيقة الاحكام وأولئك لا يعتد بخلافهم ولا يؤنس بوفاقهم.
ثم الاجماع الثابت بهذه الأسباب يثبت انتقاله إلينا بالطريق الذي يثبت به انتقال السنة المروية عن رسول الله (ص)، وذلك (تارة) يكون بالتواتر، وتارة بالاشتهار، وتارة بالآحاد، وذلك نحو ما يروى عن عبيدة السلماني قال: ما اجتمع أصحاب رسول الله (ص) على شئ كاجتماعهم على المحافظة على الأربع قبل الظهر، وعلى الاسفار بالفجر، وعلى تحريم نكاح الأخت في عدة الأخت. وقال ابن مسعود رضي الله عنه في تكبيرات الجنازة: كل ذلك قد كان، وقد رأيت أصحاب النبي (ص) يكبرون عليها أربعا. ومن الناس من أنكر ثبوت الاجماع بخبر الواحد لان الاجماع يوجب العلم قطعا وخبر الواحد لا يوجب ذلك، وهذا خطأ بين، فإن قول رسول الله (ص) موجب للعلم أيضا ثم يجوز أن يثبت ذلك بالنقل