ترك النكير دليل الموافقة لاكتفى به رسول الله (ص) منهم ولما استنطقهم في الصلاة من غير حاجة. وكان الكرخي رحمه الله يقول: السكوت على النكير فيما يكون مجتهدا فيه لا يكون دليل الموافقة لأنه ليس لأحد المجتهدين أن ينكر على صاحبه باجتهاده، وليس عليه أن يبين له ما أدى إليه اجتهاده فالسكوت في مثله لا يكون دليل الموافقة.
وجه قولنا إنه لو شرط لانعقاد الاجماع التنصيص من كل واحد منهم على قوله وإظهار الموافقة مع الآخرين قولا أدى إلى أن لا ينعقد الاجماع أبدا، لأنه لا يتصور اجتماع أهل العصر كلهم على قول يسمع ذلك منهم إلا نادرا، وفي العادة إنما يكون ذلك بانتشار الفتوى من البعض وسكوت الباقين، وفي اتفاقنا على كون الاجماع حجة وطريقا لمعرفة الحكم دليل على بطلان قول هذا القائل، وهذا لان المتعذر كالممتنع، ثم تعليق الشئ بشرط هو ممتنع يكون نفيا لا صلة فكذا تعليقه بشرط هو متعذر، وهذا لان الله تعالى رفع عنا الحرج كما لم يكلفنا ما ليس في وسعنا، وليس في وسع علماء العصر السماع من الذين كانوا قبلهم يقرون فكان ذلك ساقطا عنهم فكذلك يتعذر السماع من جميع علماء العصر، والوقوف على قول كل واحد منهم في حكم حادثة حقيقة لما فيه من الحرج البين، فينبغي أن يجعل اشتهار الفتوى من البعض والسكوت من الباقين كافيا في انعقاد الاجماع، لان السامعين من العلماء المجتهدين لا يحل لهم السكوت عن إظهار الخلاف إذا كان الحكم عندهم خلاف ما ظهر وسكوتهم محمول على الوجه الذي يحل، فبهذا الطريق ينقطع معنى التساوي في الاحتمال ويترجح جانب إظهار الموافقة، ومثل هذا السكوت لا يرجح أحد الجانبين فيما يكون مختلفا فيه فيبقى محتملا على ظاهره، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: إنما يثبت الاجماع إذا اشتهر القول من أكثرهم لان هذا القدر مما يتأتى وإقامة السكوت مقام إظهار الموافقة لدفع الحرج فيتقدر بقدره، ولا حرج في اعتبار ظهور القول من الأكثر، ولان الأقل يجعل تبعا للأكثر، فإذا كان الأكثر سكوتا يجعل ذلك كسكوت الكل، وإذا ظهر القول من الأكثر يجعل كظهوره من الكل. ولكنا نقول: المعنى الذي لأجله