المذكور في قوله تعالى: * (ليكونوا) * يدل على أنه جعلهم بهذه الصفة كرامة لهم ليكون قولهم حجة على الناس في حق الله، كما يقول إنه جعل الناس أحرارا ليكونوا أهلا للملك فإنما يفهم منه أن الأهلية للملك ثابت لهم باعتبار الحرية، فهاهنا أيضا يفهم من الآية أن قولهم حجة على الناس باعتبار صفة الوساطة لهم، وهكذا كان يقتضي ظاهر قوله تعالى: * (إلا ليعبدون) * غير أنا لو حملنا على هذا الظاهر خرجت العبادة من أن ينالها ثواب أو عقاب بتركها، لان ذلك يثبت باختيار يكون من العبد عند الاقدام عليه، فعرفنا أن المراد من قوله: * (إلا ليعبدون) * إلا وعليهم العبادة لي. وبأن بترك الظاهر في موضع لقيام الدليل لا يمنع العمل بالظاهر فيما سواه، وتبين أن ما نحن فيه نظير شهادة الرسول علينا كما ذكره الله معطوفا على هذه الصفة لا نظير ما استشهدوا به.
وأما السنة فقد جاءت مستفيضة مشهورة في ذلك: فمنها حديث عمر رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: من سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ومنها حديث معاذ رضي الله عنه قال رسول الله (ص): ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله تعالى، ومناصحة ولاة الامر، ولزوم جماعة المسلمين ومنها قوله (ص): يد الله مع الجماعة فمن شذ شذ في النار وقال عليه السلام: من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه وقال عليه السلام: إن الله لا يجمع أمتي على الضلالة ولما سئل عن الخميرة التي يتعاطاها الناس قال: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح والآثار في هذا الباب كثيرة تبلغ حد التواتر، لان كل واحد منهم إذا روي حديثا في هذا الباب سمعه في جمع ولم ينكر عليه أحد من ذلك الجمع فذلك بمنزلة المتواتر، كالانسان إذا رأى القافلة بعد انصرافها من مكة وسمع من كل فريق واحدا يقول: قد حججنا، فإنه يثبت له علم اليقين بأنهم حجوا في تلك السنة.