الفصول في الأصول - الجصاص - ج ١ - الصفحة ٣٣٩
ليس يمتنع أن يريد الله تعالى بإنزاله الحكم بيان حكم السبب وحكم غيره عند وجود هذا السبب كما ينزل حكما عاما من غير سبب تقدم فإذا ليس في نزوله على سبب ما يوجب الاقتصار به عليه

تحقيق القول في نسبة المذاهب السابقة.
ومن خلال ما سبق يتبين مذهب احمد بوضوح الا ان النقل عن الشافعي وأبي حنيفة قد دخله الاضطراب.
والصحيح الذي نراه ان مذهب أبي حنيفة القول بعموم اللفظ وذلك بالرجوع إلى ما نقله الأحناف في كتبهم ومن ذلك ما نقله الجصاص آنفا عن أبي حنيفة وكذلك نقل في فتح الغفار وتيسير التحرير وكتب غير الحنفية كحاشية العطار على جمع الجوامع والمستصفى والمسودة كما سنبين ذلك من ثبت المراجع.
أما النقل عن الشافعي فقد نبين مما سبق اضطراب القول فيه والذي نميل إليه بعد استقصاء الكلام في ذلك أن مذهب الشافعي قصره على السبب.
وقد وضح ذلك مما نقله إمام الحرمين مشيرا في عبارته إلى ورود الرأيين عن الشافعي وانه يرجح ان قول الشافعي هو قصره على السبب.
ونظرا لدقة ذلك فنحن ننقل نص إمام الرمين في البرهان حيث يقول: (اختلف الأصوليون في أن الصيغة هل يتعدى سببها في اقتضاء العموم أم يتضمن ورودها على السبب اختصاصها به، فالذي صح عندنا من مذهب الشافعي اختصاصها به وعلى هذا يدل قوله في قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) الآية.
قال رضي الله عنه: كان الكفار يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وكانوا يتحرجون ن كثير من المباحات في الشرع فكانت سجيتهم تخالف وضع الشرع وتحاده فنزلت هذه الآية مسبوقة الورود بذكر سجيتهم في البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي والموقوذة وأكيلة السبع، وكان الغرض منها استبانة كونهم على مضادة الحق ومحادة الصدق حتى كأنه قال تعالى لا حرام إلا لما حللتموه والغرض الرد عليهم... الخ) واستفاد إمام الحرمين من هذا ان مذهب الشافعي القول بقصره على السبب.
فراجع البرهان مخطوط دار الكتب ١٨ أصول ورقة ٩٧ وعليه فالترجيح على ما ذكره إمام الحرمين انه مذهب الشافعي.
المذهب الثالث: الوقف حكاه القاضي في التقريب ولا وجه له لان الأدلة هما لم تتوازن حتى يقتضى ذلك التوقف.
المذهب الرابع:
التفصيل بين ان يكون السبب هو سؤال سائل فيختص به وبين ان يكون السبب مجرد وقوع حادثة كان ذلك القول العام واردا عند حدوثها فلا يختص بها كذا حكاه عبد العزيز في شرح البزودي.
المذهب الخامس:
أنه إن عارض هذا العام الوارد على سبب عموم اخر خرج ابتداء بلا سبب فإنه يقصر على سببه وان لم يعارضه فالعبرة بعمومه، قال الأستاذ أبو منصور هذا هو الصحيح.
ونحن مع الشوكاني في أن هذا لا يصلح ان يكون مذهبا مستقلا فان هذا العام الخارج ابتداء من غير سبب إذا صلح للدلالة فهو دليل خارج يوجب القصر ولا خلاف في ذلك على المذاهب كلها.
والذي نرجحه من هذه المذاهب القول بعموم اللفظ فقد ورد في الشرع ألفاظ كثيرة حملها المفسرون والمجتهدون ومن إليهم على عمومها وطولبنا بها شرعا من قبل الله عز وجل، ونرى أن قصره على السبب لا يكون الا بدليل فان ورد فمسلم والا فالعبرة بعموم اللفظ، ولا قصر على سبب يعطل كثيرا من الاحكام، واستدلال الجصاص لهذا المذهب نعتبره من جيد الأدلة التي نقل بعض المتأخرين بعضا منها.
وقد رد الغزالي في المستصفى بعض ما قد يثار على هذا المذهب من شبه وجعلها ثلاثا فقال:
الشبهة الأولى: انه لو لم يكن للسبب تأثير والنظر إلى اللفظ خاصة فينبغي ان يجوز اخراج السبب بحكم التخصيص عن عموما المسميات كما لو لم يرد على سبب. قال الغزالي: لا خلاف في أن كلامه بيان للواقعة لكن الكلام في أنه بيان له أوله ولغيره واللفظ يعمه ويعم غيره وتناوله مقطوع به وتناوله لغيره ظاهر فلا يجوز ان يسأل عن شئ فيجيب عن غيره، نعم يجوز ان يجب عنه وعن غيره ويجوز أيضا ان يجيب عن غيره بما ينبه على محل السؤال كما قال لعمر: أرأيت لو تمضمضت وقد سأله عن القبلة وقال للخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته.
الشبهة الثانية: انه لو لم يكن للسبب مدخل لما نقله الراوي إذ لا فائدة فيه قلنا فائدته معرفة أسباب التنزيل والسير والقصص واتساع علم الشريعة.
الشبهة الثالثة: انه لولا أن المراد البيان السبب لما اخر البيان إلى وقوع الواقعة فان الغرض إذا كان تمهيد قاعدة عامة فلم اخرها إلى وقوع الواقعة. قال الغزالي: ولم قلتم لا فائدة في تأخيره والله تعالى اعلم بفائدته ولم طلبتم لافعال الله فائدة بل لله تعالى ان ينشئ التكليف في أي وقت شاء ولا يسئل عما يفعل.
واستقصاء الأدلة يطول ونحيل على مظانها فانظر فيما ذكرناه من المذاهب والأدلة إرشاد الفحول ١٣٤ والمستصفى 2 / 60 والمسودة 130 وتيسير التحرير 1 / 366 وفتح الغفار 2 / 59 وروضة الناظر 122 والأشباه والنظائر 135 وحاشية العطار على جمع الجوامع 2 / 73 والتلويح 1 / 273، والفتاوى لابن تيمية 31 / 28، 29 والبرهان لإمام الحرمين وفيه ردود على مذهب أبي حنيفة فراجعها مخطوط دار الكتب 18 أصول ورقة 96 وما بعدها.
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة 3
2 تمهيد 5
3 الامام الجصاص 7
4 أ - اسمه و كنيته ولقبه 7
5 ب - سنة ولادته 10
6 ج‍ - مكان ولادته ونبذة عن بلاد الري 11
7 د - صفاته 13
8 ه‍ - رحلاته 14
9 و - مكانته العلمية 15
10 ز - طبقته عند الحنفية 17
11 ح - شروحه وكتبه على وجه العموم 21
12 ط - كتاب ((أصول الفقه)) على وجه الخصوص 23
13 وقت تأليف الجصاص ل‍ ((أصول الفقه)) 23
14 مصادر الكتاب التي منها استمد الجصاص مادته 24
15 نسخ الكتاب الموجود 26
16 نقص المخطوطة 29
17 مقدمة الكتاب 30
18 النصوص الساقطة من أول باب العام 31
19 الباب الأول في العام الفصل الأول الظواهر التي يجب اعتبارها 40
20 إذا ورد لفظ عموم معطوف عليه ويمكن استعماله في نفسه 41
21 نظائر هذه المسألة 44
22 الفصل الثاني إذا تناول اللفظ معنيين هو في أحد هما مجاز وفي الآخر حقيقة 46
23 تعريف الحقيقة 46
24 تعريف المجاز 46
25 استحالة أيكون اللفظ الواحد مستعملا في موضعه ومعدا به عن موضعه في حالة واحدة 46
26 إذا كان اللفظ يتناول معنيين وهو صريح في أحدهما كناية في الآخر 48
27 إذا ورد اللفظ مطلقا 48
28 الفصل الثالث الظواهر التي يقضى عليها دلالة الحال، فينقل حكمه إلى ضد موجب لفظه 50
29 نظائر هذاه المسألة 52
30 الكشف عن عموم ألفاظ يدعيها الخصوم والرد عليها 53
31 الباب الثاني في صفة النص تعرف النص اصطلاحا 59
32 الدليل عليه 60
33 تعريف النص في اللغة 60
34 الباب الثالث في معنى المجمل الفصل الأول أوجه وأقسام المجمل 63
35 الوجه الأول: أن يكون الإجمال في لفظ واحد مجهول 63
36 القسم الأول: ما يكون إجماله في نفس اللفظ 64
37 القسم الآخر: أن يكون اللفظ مما يمكن استعماله على ظاهره ويصير مجملا بما يقترن إليه 64
38 أمثلة القسم الأول 65
39 أمثلة القسم الآخر 69
40 الفصل الثاني الاحتجاج بعموم اللفظ المجمل 74
41 يصح الاحتجاج بعموم اللفظ الجمل إذا قامت الدلالة على معنى قد أريد به 74
42 الأمثلة على ذلك 74
43 الفصل الثالث الأسماء المشتركة 76
44 الباب الرابع في معاني حروف العطف وغيرها الواو في اللغة للجمع 83
45 " بل " فللاستدارك 88
46 الفاء للجمع 88
47 " أو " للشك 89
48 " ثم " للترتيب والتراخي 91
49 " بعد " للترتيب 92
50 " إلى " للغاية 93
51 " من " للتبعيض ولبدو الغاية وللتمييز وللإلغاء 94
52 الباء للالصاق 94
53 " في " للظرف 94
54 " كل " لجمع الأسماء 95
55 " كلما " لجمع الافعال وفيها معنى الشرط على وجه التكرار 96
56 الباب الخامس في إثبات القول بالعموم وذكر الاختلاف فيه مذاهب العلماء 99
57 مذهب جمهور العلماء: الحكم بعموم اللفظ مطلقا 99
58 مذهب القائلين بأقل الجمع 99
59 مذهب القائلين بالوقف مطلقا 100
60 مذهب الواقفين في الاخبار دون الامر 100
61 مذهب الواقفين في الأوامر دون الاخبار 100
62 مذهب الحنفية والجصاص، القول بالعموم في الاخبار والأوامر جميعا 101
63 الرد على القائلين أن مذهب أبي حنيفة القول بالوقف في عموم الاخبار 102
64 القول بعموم اللفظ فيما لم تصحبه دلالة الخصوص هو مذهب السلف 103
65 الأدلة والأمثلة ورد الاعتراضات الواردة على الجصاص وأصحابه 104
66 الباب السادس في اللفظ العام المخرج إذا أريد به الخصوص اللفظ العام المخرج إذا أريد به الخصوص 135
67 مذهب بعض الحنفية، عدم جواز ذلك 137
68 أدلة المذهب الثاني والرد عليها 138
69 الباب السابع في الوجوه التي يقع بها التخصيص الوجوه التي يقع بها التخصيص 142
70 جواز تخصيص عموم القرآن بقرآن مثله 142
71 جواز تخصيص القرآن بالسنة الثابتة، والأمثلة عليه 144
72 جواز تخصيص القرآن بالاجماع، والأمثلة عليه 146
73 جوار تخصيص القرآن بدلالة العقل، والأمثلة عليه 146
74 الرد على المانعين في جوازه بالعقل 147
75 الباب الثامن في تخصيص العموم بخبر الواحد تخصيص العموم بخبر الواحد 155
76 مذهب الجصاص والحنفية يجور تخصيص عموم القرآن والسنة الثابتة بخبر الواحد 155
77 أمثلة وأدلة على مذهب الحنفية 156
78 الدليل على أن هذا المذهب هو مذهب الصدر الأول من السلف 159
79 الرد على اعتراضات الخصوم 163
80 لا فرق بين النسخ والتخصيص في أن كل واحد منهما بيان، والأدلة والردود 170
81 الدليل على أن خبر الواحد يرد بالإجماع ولا يرد الإجماع به 175
82 الباب التاسع في تخصيص العموم بالقياس تخصيص العموم بالقياس 211
83 كل مالا يجوز تخصيصه بخبر الواحد لا يجور تخصيصه بالقياس 211
84 الأمثلة على ذلك 211
85 الأدلة والمناقشة والردود 212
86 الرد على القائلين أن شرطا الإيمان في رقبة يقتضي تخصيص رقبة الظهار 222
87 الكلام في كفارة قتل الخطأ وقتل العمد 233
88 الكلام في الشاهد واليمين 238
89 الباب العاشر في اللفظ العام إذا خص منه شيء ما حكم الباقي؟ مذهب أبي الحسن الكرخي: التفرقة بين الاستثناء المتصل ودلالة التخصيص 245
90 مذهب الجصاص والحنفية: أن تخصيص العموم لا يمنع الاستدلال له فيما عدا المخصوص 246
91 أمثلة من فروع الحنفية 247
92 الدليل على صحة مذهب الجصاص والحنفية 248
93 الرد على المفرقين بين الاستثناء ودلالة الخصوص 252
94 الباب الحادي عشر في حكم التحليل والتحريم إذا علقا بما لا يصلح أن يتناولاه في الحقيقة بيان أن التحليل والتحريم يتعلقان بأفعال الأمرين والمنهيين 257
95 الدليل على ذلك 257
96 الرد على الاعتراضات 258
97 الباب الثاني عشر الاستثناء ولفظ التخصيص إذا اتصلا بالخطاب ما حكمهما؟ بيان أن الاستثناء إذا صحب خطابا معطوفا بعضه على بعضه أن يرجع إلى ما يليه 265
98 التخصيص إذا اتصل بالجملة فحكمه كذلك 266
99 الدليل على صحة ذلك والأمثلة، وردا لاعتراضات 267
100 الباب الثالث عشر في الإجماع والسنة إذ حصلا على معنى يواطئ حكما مذكورا في الكتاب بيان أن ما حصل من ذلك مأخوذ من القرآن وأنه مراد الله تعالى 283
101 الأمثلة على ذلك من القرآن الكريم 283
102 الدليل عليه 284
103 الاعتراضات والرد عليها 285
104 الباب الرابع عشر في دليل الخطاب وحكم المخصوص بالذكر المذهب الأول: أن كل شيء كان ذا وصفين فخص أحدهما بالذكر فحكمه بخلافه 291
105 المذهب الثاني: أن كل ما خص بعض أوصافه بالذكر إن كان ذا أوصاف كثيرة فحكمه بخلافه 291
106 المذهب الثالث: أن المخصوص بالذكر حكمه مقصور عليه، وهو مذهب الجصاص والجنفية 291
107 مطلب في التعليق بالشرط أو العدد 293
108 دليل الجصاص على صحة مذهبه ورد الاعتراضات 294
109 التخصيص بالذكر على حكم لا يدل على أن ما عداه بخلافه 299
110 الأدلة والاعتراضات والردود 299
111 كلام الحصاص مع الإمام الشافعي في دليل الخطاب 305
112 الباب الخامس عشر في حكم الجمل تقسيمات الجمل 327
113 كل لفظ أمكن استعماله على وجه فلا إجمال فيه ولا يجور أن يتأخر البيان فيه 330
114 أمثلة على أن هذا مذهب الحنفية 330
115 الرد على الاعتراضات 331
116 بيان أن من الألفاظ ما يمكن أن يكون مجملا ويجور أن يكون عموما 334
117 الباب السادس عشر في الكلام الخارج عن سبب المذهب الأول: كل كلام خرج عن سبب فالحكم له لا للسبب 337
118 المذهب الثاني: العبرة بالسبب 338
119 الرد على المذهب الثاني 338
120 مالا يستقل بنفسه 344
121 إذا كان الجواب أخص من السؤال 346
122 الباب السابع عشر في حرف النفي إذا دخل على الكلام تحرير محل النزاع مع ذكر الأمثلة 351
123 المذهب الأول: الأمر محتمل لنفي الأصل ونفى الكمال على السواء 353
124 الذهب الثاني: نفي الأصل أولى من نفى الكلام 353
125 الباب الثامن عشر في الحقيقة والمجار تعريف الحقيقة في لغة العرب 357
126 تعريف المجاز في لغة العرب 361
127 الأمثلة على وجود الحقيقة المجاز في اللغة العرب 361
128 الرد على من نفى وجود هذا التقسيم في اللغة 368
129 الباب التاسع عشر في المحكم والمتشابه تعريف المحكم والمتشابه 373
130 تعريف المتشابه 373
131 حكم المتشابه 374
132 الباب العشرون في العام والخاص والمجمل والمفسر مقدمة في الوجوه الأربعة لمسألة تعارض النصوص 381
133 الوجه الأول: أن يكون العموم متقدما ويرد الخصوص 383
134 الوجه الثاني: أن يتقدم لفظ الخصوص ثم يرد العموم 385
135 الأدلة على صحة مذهب الجصاص الحنفية والأمثلة 385
136 رد الاعتراضات وذكر الأدلة 386
137 الرد على الإمام الشافعي في ذلك 399
138 الوجه الثالث: إذا ورد لفظ العموم والخصوص في خطاب واحد 406
139 الوجه الرابع: إذا ورد العام والخاص ولم يعلم تاريخ واحد منهما 407
140 الدليل على كلام عيسى بن أبان ورد الاعتراضات 409
141 الباب الحادي والعشرون في الخبرين إذا كان كل واحد منهما عاما من وجه وخاصا من وجه آخر اعتبار السبب الذي ورد في كل واحد منهما 422
142 الأمثلة على ذلك 422