وأما الاستثناء فليس في مضمونه ولا في لفظه ما يقتضي رجوعه (1) إلى ما تقدمه فوجب أن يكون حكمه مقصورا على ما يليه إذ قد صح حكمه فيه ومن ادعى رجوعه إلى ما تقدم كان مدعيا لتخصيص عموم بلا دلالة فإن قيل فلو أدخل شرطا وصله باللفظ كان جميع الخطاب متعلقا بالشرط المذكور في آخره وكذلك يجب أن يكون حكم الاستثناء قيل له يختلف حكمه عندنا منه ما يرجع إلى ما يليه ومنه ما يرجع إلى الجميع وفي تفصيله ضرب من الإطالة وليس هو مع ذلك من الاستثناء في شئ في الموضع الذي يتعلق فيه جميع المذكور بالشرط لأن الاستثناء لا يجوز أن يؤثر في الجملة حتى يجعل حكمها موقوفا عليه وإنما يخرج منها بعض ما انتظمته بعد صحة (2) الكلام وحصول الفراغ منه وأما الشرط فإنه يؤثر في الجملة كلها حتى يتعلق حكمها به على حسب ما يتفق من وجود الشرط ألا ترى أنه ما لم يوجب الشرط الذي علق به الحكم لم يكن للفظ حكم فلذلك جاز تعلق جميع المذكور بوجود الشرط في المواضع التي يجب ذلك منها ولم يجب مثله في الاستثناء فإن قيل (3) قال الله تعلى جزاء الذين يحاربون الله ورسوله (4) إلى قوله تعالى ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (5) (6) ثم عقبه بعد ذكر وعيد الآخرة بقوله تعالى الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم (7) (8) فكان (9) راجعا إلى جميع المذكور ولم يكن حكمه مقصورا على ما يليه دون غيره فهذا يدل على أن حكم الاستثناء رجوعه إلى جميع المذكور (10)
(٢٦٩)