والسر في ذلك: هو أنه بعدما لم تكن دلالة الألفاظ على معانيها ذاتية، فلابد وأن يكون لإحضار اللفظ معنى بأحد وجهين: إما أن يكون المعنى موضوعا له اللفظ، أو لازما بينا للموضوع له; بحيث ينتقل الذهن من اللفظ إلى المعنى الموضوع له، ثم ينتقل الذهن من المعنى الموضوع له إلى اللازم، كلفظة النار حيث إنها وضعت لموجود معروف، وحيث إن بين النار والحرارة تلازما، تحضر الحرارة في الذهن عند إلقاء لفظة النار، فيعد هذا أيضا من دلالة الألفاظ، على إشكال ذكرناه في محله: أنه في الحقيقة من دلالة المعنى على المعنى، لا من دلالة الألفاظ.
وفي غير ذينك الوجهين لا يحضر اللفظ المعنى; ولو كان بين المعنى الموضوع له وذلك المعنى تلازم خارجي، كالتلازم بين الإنسان وبين قابليته للصنعة والكتابة، أو التلازم بين زاويتين قائمتين وبين الزوايا الثلاث للمثلث; حيث إن التلازم في الموردين - مثلا - إنما هو واقعي وخارجي لا ذهني; لأنه يحتاج في إحضار طبيعة الإنسان لقابلية الصنعة والكتابة، إلى استقراء وتتبع في أفراد هذه الطبيعة، وفي إحضار الزاويتين للزوايا إلى إقامة برهان هندسي عليه. ومن الواضح أن للماهية - في وجودها الخارجي - سعة وجودية متعانقة مع الخصوصيات، سواء علم بها أو لا، ولم يكن بين الماهية وخصوصياتها تلازم ذهني، ومجرد لحاظ الخصوصيات لا يوجب أن تكون موضوعة لها، فبإلقاء اللفظ لا تحضر الماهية المعتنقة مع الخصوصيات، وإنما يحضر نفس المعنى والطبيعة.
والحاصل: أنه إذا وضع اللفظ للطبيعة المضافة يكون الوضع والموضوع له خاصين، وإن لوحظ السريان حال الوضع لنفس الطبيعة، ووضع اللفظ لنفس الطبيعة، فلا يحضرها إلا إذا كان بينهما تلازم بين بالمعنى الأخص، وواضح أنه لم يكن التلازم بينهما كذلك، بل الموجود بينهما هو التلازم بحسب الوجود والخارج فتدبر.