لحق الظرفية، كما يقال: «زيد في البيت» و «عمرو في الدار»... وهكذا.
وهذا اشتباه منه (قدس سره); لأن الاستعمال: عبارة عن إلقاء اللفظ الموضوع لمعنى; لينتقل السامع إليه انتقالا بالعرض، مثلا: بإلقاء لفظ «زيد» يتصوره السامع، ويفهم منه: فينتقل منه بالعرض إلى المعنى الخارج الذي يكون هو الموضوع له، ولا يلزم وجود المعنى وتحققه في هذا الانتقال العرضي.
وبالجملة: لو ألقي لفظ الإنسان فيتموج الهواء منه، فيقع في صماخ المخاطب، فيقع في ذهنه، وذلك المعنى غير قابل للصدق على الكثيرين; لأنه جزئي متصور، لكن ينتقل منه إلى ما يقبل الصدق على الكثيرين انتقالا بالعرض لا بالذات; لأن الإنسان لا ينتقل إلى الخارج ولا يناله; لا أولا ولا ثانيا، كما يتوهم، ولا ينقلب الخارج عما هو عليه، ولكن حيث إن المعنى المتصور وجه للمعنى الموضوع له، الذي هو عبارة عن طبيعي الإنسان القابل للصدق على الكثيرين، فينتقل السامع بواسطة سماعه لفظ «الإنسان» إلى ذلك المعنى الموضوع له عرضا، ولا يخفى أن إدراك السامع اللفظ ومعناه يكون مغفولا عنه; لأنه بمجرد سماع اللفظ ينتقل عرضا إلى الهوية الخارجية التي تكون موضوعة له.
وما ذكرناه نظير ما ذكرناه في المعدوم المطلق، فإنه لا يمكن تصوير حقيقة المعدوم المطلق، لكن يمكن أن يدرك مفهوم منه، وهذا المفهوم وجه لذلك، فتنتقل النفس بواسطة معلومه الذاتي إلى المعلوم بالعرض.
فتحصل مما ذكرنا: أن الموضوع للنسبة اللفظية هي النسبة الواقعية، ولا يحتاج استعمال اللفظ في المعنى إلى وجود واقع ليوقع هذا اللفظ فيه; لأن الاستعمال عبارة عن عمل اللفظ في المعنى العرضي، ويوجب ذلك انتقال النفس إليه - سواء كان له معنى خارجي أم لا - لأن تحقق المعنى وعدم تحققه خارجا لا ربط له بباب الاستعمال والدلالة، بل هي عبارة عن أن اللفظ يهدي إلى المعنى ويريه للمخاطب، وهذا القدر تشترك فيه القضايا الصادقة والكاذبة، فافهم وتدبر.