الأمر الثاني: أن البحث لم يكن مقصورا على تشخيص المعنى الحقيقي من المجازي; فيما إذا كان هناك علم بالمراد وشك في كون المراد معنى حقيقيا أو مجازيا; حتى يقال: إن اللفظ في المجاز أيضا - بناء على ما تقدم - مستعمل في معناه الحقيقي، فإن السامع إذا استقر ذهنه في المعنى المراد، ولم يتجاوز منه إلى غيره، حكم بأنه حقيقة، وإن تجاوزه إلى غيره حكم بأن ذلك الغير مجاز - كما قيل (1) - بل البحث أعم منه ومما لم يكن هناك استعمال، أو لم يكن بصدد تشخيص استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي أو المجازي، فلو شككنا في كون لفظ الماء - مثلا - موضوعا للجسم السيال المعروف، كان التبادر طريقا إلى إثباته استعمل أو لم يستعمل، بل ربما يكون الاستعمال مرددا بين الحقيقة والغلط، لا بين الحقيقة والمجاز، فتأمل.
فإذا البحث في علامة المعنى الحقيقي والمجازي بالأعم فيما كان هناك استعمال أم لا، بل إذا تصور وفهم منه المعنى بلا قرينة فهو معنى حقيقي، وإن فهم المعنى بمعونة القرينة فهو معنى مجازي بل قد يدور أمر الاستعمال بين كونه استعمالا حقيقيا وغلطا، لا بين الحقيقة والمجاز.
فتحصل مما ذكرنا في الأمرين: أن محط البحث في تشخيص المعنى الحقيقي من المعنى المجازي، لا المعنى الموضوع له من غيره، وأنه لا يخص البحث في كون العلائم علائم استعمال اللفظ في المعنى، بل أعم منه ومما لم يستعمل.
إذا تمهد لك ما ذكرنا: فقد ذكروا (2) لتشخيص المعنى الحقيقي عن المعنى المجازي علائم لا تخلو أكثرها - بل جميعها غير واحد منها، وهو التبادر - من المناقشة.
1 - نهاية الأصول 28 - 29.
2 - زبدة الأصول: 28 سطر 1، الوافية: 60، هداية المسترشدين: 41 سطر 13، الفصول الغروية:
32 سطر 26، بدائع الأفكار (للمحقق الرشتي (قدس سره)): 71 سطر 7، كفاية الأصول: 33، نهاية الأفكار 1: 66، درر الفوائد: 44، نهاية الأصول: 39.