نعم: قولك ذلك إنما هو بعد ادعائك: أن هذا الرجل المتحير المتردد في أمره، كأنه يقدم إحدى رجليه ويؤخر أخرى، ومتمثل كذلك، وأن حاله وأمره يتجلى في هذا المثال كأنه هو.
فتحصل مما ذكرنا: أنه في جميع الاستعمالات التي يرونها استعمالات مجازية - سواء كانت في المفردات بأقسامها، أو في المركبات بأنواعها - استعملت الألفاظ فيما وضعت له، والتصرف والادعاء إنما هو في تطبيق المعاني الموضوع لها على غيرها، ولم تستعمل الألفاظ في غير ما وضعت له.
وبعدما عرفت ما ذكرنا، وتفحصت وتدبرت في لطافة محاورات الخطباء والأدباء والشعراء، تذعن بما ذكرنا إن كان لك ذوق سليم ووجدان صحيح، وترى أنه لا مخلص إلا بهذا القول ولا مفر عنه، فلك أن تتفطن مما ذكرنا إلى سقوط بعض المباحث الدارجة بين الأدباء، والمندرجة في كتب القوم: من أن المجاز هل يحتاج إلى رخصة الواضع أم لا (1)؟ والبحث في أن العلاقة المجوزة هل هي نوعية أو صنفية أو شخصية (2) وعدد أنواع العلائق (3)... إلى غير ذلك.
والسر في ذلك: هو أنه استعمل اللفظ في جميع المجازات فيما وضع له، نعم - كما أشرنا - لابد من صحة الادعاء وحسنه، وهما مرتبطان بحسن السليقة والذوق السليم.
ثم إنه غير خفي على المتدرب أنه على كلا المبنيين - المبنى المشهور والمبنى المختار - في المجاز لابد من الادعاء، وإلا لا يكون الاستعمال مجازيا، بل إما غلط، أو لغرض آخر، مثل استعمال اللفظ في اللفظ، كما سنذكره قريبا، فإنه لم يستعمل اللفظ فيه