الحرفية وتفهمها، وذكر المعاني الاسمية غالبا لأجل تفهيم المعاني الحرفية وتفهمها; ألا ترى أن المقصود في قولك: «زيد موجود» بيان الهوهوية، وفي قولك: «زيد في الدار» إفادة الكون الرابط، وهما معنيان حرفيان، لا إفهام زيد، ولا تفهيم الموجود، ولا الدار، كما لا يخفى.
وإن كنت في شك فيما ذكرنا فاختبر نفسك في قولك: «ضربت زيدا أمام الأمير يوم الجمعة عند زوال الشمس»، فهل ترى من نفسك إلا إفهام معنى حرفي، وهو الكون الرابط، أعني حدوث الضرب في مكان كذا وفي يوم كذا وفي ساعة كذا، فهذه القيود كلها قيود المعنى الحرفي، وهو النسبة الكلامية، كما لا يخفى، لا إفهام «الضرب»، و «زيد» و «أمام الأمير» و «يوم الجمعة» و «زوال الشمس»، بل ذكر هذه الأمور إنما هو تبعي واستطرادي لإفهام المعنى الحرفي.
وبالجملة: غالب احتياجات البشر في يومه وليلته، إنما هو إفادة المعاني الحرفية واستفادتها، فكيف تكون مغفولا عنها، والاشتباه نشأ من عدم إمكان ملاحظتها مستقلا وبدون الطرفين، وكم فرق بين كون الشيء مغفولا عنه، وآلة للحاظ غيره، وبين كونه تبعا لغيره وغير مستقل في التعقل، والحروف إنما هي من قبيل الثاني، لا الأول; لأنها لم تكن مغفولا عنها، بل لا يمكن أن تلاحظ وتعقل مستقلا وبدون لحاظ الطرفين، كما أن وجودها في الخارج أيضا مندك في وجود الطرفين.
فإذا تبين لك ما ذكرنا، فنقول: كما يصح أن يخبر عن معنى مستقل في الوجود والتعقل، فكذلك يصح أن يخبر عن معنى مندك في الطرفين في الوجود والتعقل، فكما يتعلق القصد تارة بالإخبار بأن الضرب واقع، فكذلك يتعلق أخرى بالإخبار بأن الضرب واقع في زمان أو مكان كذا.
فلعل مراد الأدباء المحققين بقولهم: إن الحروف لا يخبر عنها ولا بها هو، أن الحروف لا تقع مبتدأ ولا خبرا في اللفظ والعبارة، وهذا مسلم، ولكن لا يدل ذلك على