وعهدي بصاحبي الصفي وصديقي الوفي وحيد عصره في دقة الفهم واستقامة السليقة العالم الكامل الرباني الشيخ عبد الله الجرفادقاني - رحم الله شبابه وأجزل ثوابه - سمع بعض الكلام علي، فأدركته شفقة الأخوة، وأخذته عصبية الصداقة، فأتى داري بعد هزيع من الليل، وكنت على السطح، فلم يملك نفسه حتى شرع بالعتاب، وهو بعد واقف على الباب، وقال: ما هذا الذي ينقل عنك، ويعزى إليك؟!
فقلت: نعم، وقد أصبت الواقع، وصدق القائل.
فقال: إذا قلت: في شجاع أنه أسد، فهل له ذنب؟!
فقلت له مداعبا: تقوله في مقام المدح، ولا خير في أسد أبتر.
ثم صعد إلي، وبعدما أسمعني أمض الملام ألقيت عليه طرفا من هذا الكلام، فقبله طبعه السليم وذهنه المستقيم، فقال: هذا حق لا معدل عنه، ولا شك فيه، ثم كتب في ذلك رسالة سماها: «فصل القضا في الانتصار للرضا»، ومن ذلك اشتهر القول به، وقبلته الأذهان الصافية، ورفضته الأفهام السقيمة» (1). انتهى.
هذا حال المجازات المفردة.
وكذا الحال في المجازات المركبة، بل لعل الأمر فيها أوضح، وذلك كقولك للمتردد المتحير في أمر: «أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى»، فإنه لم تستعمل ألفاظه المفردة إلا في معانيها الحقيقية، لكن ادعي أن المتحير شخص متمثل كذلك، ولم يكن للمجموع المركب وضع على حدة; بحيث تكون أجزاؤه بمنزلة حروف الهجاء في المفردات; لتستعمل في معنى لم يوضع له، فليس للهيئة العارضة للمركب معنى غير ما يكون لمفرداته.
فإذا مفردات تلك الجملة وهيئتها استعملت فيما وضع له.