الجمادات، فكيف ينكرها العاقل الذي له شعور وإدراك، لا تراها ولا تجدها إذا قيل:
«واسأل أهل القرية».
وكذا ترى: اللطافة والبلاغة في قول الفرزدق - شاعر أهل البيت (عليهم السلام) - في مدح الإمام السجاد (عليه السلام):
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم (١) إلى آخر الأبيات; حيث يريد إثبات أنه (عليه السلام) بمرتبة من الشهرة والمعروفية; بحيث تعرفه أرض بطحاء وبيت الله الحرام والحل والحرم، وهذا مالا تراه إذا قيل: هذا الذي يعرفه أهل البطحاء وأهل البيت وأهل الحل وأهل الحرم.
وكذا في الاستعمالات التي يصرح فيها بنفي معنى وإثبات معنى آخر، كقوله تعالى: ﴿ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم﴾ (2)، وكقوله: «ليس هذا بوجه، بل هو بدر»... إلى غير ذلك من العبائر، وما ذكرناه هو جمل يسيرة من كلماتهم، وعليك بالتتبع التام في حكم البلغاء والفصحاء وعباراتهم، فإن كان لك ذوق سليم تصدق ما ذكرنا أحسن تصديق، وقد اقتبسنا ما ذكرناه من شيخنا العلامة أبي المجد الإصفهاني (قدس سره) صاحب «وقاية الأذهان» (3)، وقد أتى (قدس سره) في هذا الميدان بما لا مزيد عليه، وأتى بأمر بكر، وصدقه كل من عكف على كلامه أو على مقالته; بشرط أن يكون له ذوق وطبع سليم وذهن مستقيم، وقد قال (قدس سره):
«إني لما ألقيت هذا المذهب على جماعة من الطلبة - كانوا يقرؤون علي كتاب «الفصول» في النجف الأشرف سنة 1316 - لم يلبث حتى اشتهر ذلك مني في أندية العلم ومجالس البحث، فتلقته الأذهان بالحكم بالفساد، وتناولته الألسن بالاستبعاد،