والأولى تبديل ما ذكره وإصلاحه بما نقوله; حتى لا يتوجه عليه ما يتوجه على مقال المشهور، وحاصله:
أن اللفظ في مطلق المجاز - مرسلا كان، أو استعارة، أو مجازا في الحذف، مفردا كان أو مركبا - استعمل في معناه الحقيقي الموضوع له، فاستعمل لفظ «الأسد» في قولنا:
«زيد أسد» - مثلا - في الحيوان المفترس حقيقة من دون ادعاء، والادعاء إنما هو بعد الاستعمال فيما وضع له; في تطبيق المعنى الموضوع له على هذا الفرد; إما بادعاء كونه مصداقا له، كما في الطبائع الكلية، أو كونه عينه، كما في الأعلام الشخصية.
وعليه فالفرق بين ما ذهب إليه السكاكي وما هو المختار: هو أن الادعاء على مذهبه وقع قبل الإطلاق، فأطلق اللفظ على المصداق الادعائي، بخلاف ما هو المختار، فإنه بعد الاستعمال; وحين إجراء الطبيعة - الموضوع لها اللفظ - على المصداق الادعائي في مثل «زيد أسد»، وفي مثل «زيد حاتم»، أريد بحاتم الشخص المعروف، وادعي أن زيدا هو هو، فالادعاء لتصحيح إجراء المعنى على المعنى.
ومن الواضح: أن حسن الكلام وبلاغته في باب المجازات، إنما هو بتبادل المعاني والتلاعب بها; ووضع معنى مكان معنى، لا بتلاعب الألفاظ وتبادلها; لأن الألفاظ غالبا متكافئة في إفادة معانيها. فقوله تعالى: ﴿ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم﴾ (1) استعمل «الملك» في معناه المعهود، وإنما حمله على يوسف - على نبينا وآله وعليه السلام - بادعاء كونه من مصاديقه.
وإذا أحطت خبرا بما ذكرنا تتفطن إلى توجه إشكال آخر على مقال السكاكي:
وهو أنه لا وجه لتخصيص ما ذكره بالاستعارة، بل هو جار في المجاز المرسل أيضا; وذلك لأنه في جميع المجازات لابد وأن يكون فيها ادعاء، ولا دعائه مصحح، وإلا