على أنه لم يصدر منه وضع آخر لكان كذلك.
وما ذهب إليه صاحب التشريح فيبعده، بل يشهد بفساده القطع بأن استعمال المجاز ليس بتعهد خاص شخصي، بل هو أمر مرتكز في ذهن السامع قبل سماعه هذا اللفظ، قد استعمله آباؤه من قبل كذلك.
وأمتن هذه الطرق ما تقدم عن صاحب الفصول، ولكن يتجه عليه أن دلالة الألفاظ ليست بذاتية، بل هي جعلية، وليس الجعل إلا الوضع، فكيف يعقل أن تدل على معنى بدونه، والقرينة من شأنها نفي المعنى الموضوع له لا إثبات الوضع لغيره إلا أن يبتنى قوله: «مبني على المسامحة والتأويل» على المسامحة والتأويل، ويرجع إلى ما سنبينه لك إن شاء الله.
ولصعوبة إثبات الوضع للمجازات التزم جماعة بأن دلالتها ليست وضعية، فوقعوا في تكلفات هي أشد وأبين فسادا مما وقع فيها إخوانهم من قبل، كما لا يخفى على من راجع هداية - الجد - العلامة، وغيره من الكتب المبسوطة.
ولمعرفة حقيقة الحال في المجاز مسلك آخر - يطابقه الوجدان، ويعضده البرهان، ولا يعرض على ذهن مستقيم إلا قبله، ولا على طبع سقيم إلا رفضه (1) - وهو أن تلك الألفاظ مستعملة في معانيها الأصلية، ومستعملها لم يحدث معنى جديدا، ولم يرجع عن تعهده الأول، بل أراد بها معانيها الأولية بالإرادة الاستعمالية على نحو سائر استعمالاته من غير فرق بينهما في مرحلتي الوضع والاستعمال أصلا.
بيانه: أن الطبع السليم يشهد بأن القائل: «إني قاتلت اليوم أسدا هصورا» (2) و «قابلت أمس قمرا منيرا» وهو لم يقاتل إلا رجلا شجاعا مشيحا، ولم