بل لما ذكره قدس سره من أن القضاء والحكم عمل له لا للغير فهو المخير. اما بالإضافة لكيفية الحكم وأحكام الدعوى فظاهر، إذ لا أثر لها بالإضافة لغيره من المتخاصمين أو غيرهما.
وأما بالإضافة للحق المتخاصم فيه فهو وإن كان موردا لعمل المتخاصمين وغيرهما، إلا أن ذلك إنما يقتضي رجوع العامل لما هو الحجة في حقه في مقام العمل، فيتخير في المقام المذكور، لا في فصل الخصومة، الذي هو وظيفة للحاكم، بل اللازم فيه على الحاكم الرجوع لما هو الحجة في حقه، ولذا يجب عليه العمل بمقتضى الحجة الظاهرية في حقه من الطرق والامارات والأصول الجارية في الشبهات الموضوعية والحكمية وإن علم بعدم حجيتهما في حق أحد المتخاصمين أو كليهما، لانكشاف الواقع لهما بالعلم الذي لا مجال معه للحكم الظاهري.
نعم، قد يستشكل فيه بالنظر لما ذكروه فيما لو لزم من حكمه في واقعتين مخالفة إجمالية، كما في من أقر بعين لشخص، ثم أقر بها لاخر، حيث يحكم عليه بها للأول وبقيمتها للثاني اعتمادا على الاقرارين المعلوم كذب أحدهما، فإن العلم الاجمالي المذكور يسقط حجية الاقرارين في حقه، كما يسقطهما في مقام العمل لو ابتلي الحاكم أو غيره بالعين والقيمة معا بميراث أو غيره.
لكن ذلك لا يكشف عن كون المعيار في الحكم على الحجة في حق المتخاصمين، لما أشرنا إليه من عدم العبرة بعلمهما التفصيلي، فضلا عن الاجمالي.
وربما يدفع الاشكال المذكور بأحد وجهين..
الأول: أن ابتلاء الحاكم بكل من الطرفين، لا يكون بمجرد الاقرار بالتخاصم فيهما إليه وإرادة الحكم فيهما، وحيث كان الحكم فيهما تدريجيا فلا ابتلاء حين الحكم في كل طرف إلا به، فلا يصلح العلم الاجمالي للتنجيز حينئذ